محاضرة - فلسفة الإرشاد التربوي -

فلسفة الإرشاد“
أ.د. الحارث عبد الحميد حسن
استشاري الطب النفسي


وتتضمن المحاضرة
1. معنى الإرشاد التربوي
2. من هو المرشد؟
3. الاستراتيجيات في دائرة الإرشاد التربوي
4. ما هي الأدوار التي يقوم بها المرشد
5. مهمات واختصاصات الإرشاد التربوي
6. خطوات الإرشاد النفسي عند روجرز
7. إضاءات جديدة حول الإرشاد التربوي في التعليم الجامعي
8. قصة السيد عادي
الرسالة الفلسفية للإرشاد التربوي
التوجيه والإرشاد التربوي من أجل طالب يتمتع بصحة نفسية وشخصية متكاملة " محقق لذاته " متوافق مع من حوله، قادر على التكيف ومواجهة مشكلات الحياة اليومية والإنجاز الأكاديمي والتربوي.
ما هو الإرشاد التربوي ؟
يقصد بالإرشاد التربوي مساعدة الطالب على اكتشاف قدراته وإمكاناته الدراسية، ومعاونته في تصميم خطة دراسته، وتحقيقه لشروط متطلبات التخرج ومساعدته في التغلب على أية صعوبات قد تعترض مساره الدراسي، ومساعدته كذلك على التكيف مع بيئته الدراسية والاجتماعية والعلمية عن طريق إمداده بالمعلومات الكافية، والمناسبة عن المواقف، أو المشاكل التي يمر بها أو تعترضه، ومعاونته في تحليلها ، بهدف الوصول إلى الخط السلوكي الأمثل الذي يمكنه من النجاح في تحقيق أهدافه في الحياة داخل المؤسسة التعليمية وخارجها .
من هو المرشد التربوي

هو شخص حاصل على الشهادة الجامعية الأولى كحد أدنى في أحد فروع العلوم الإنسانية التالية (إرشاد نفسي، توجيه وإرشاد، صحة نفسية، تربية وعلم نفس، خدمة اجتماعية) وتم تعينه بوظيفة مصنفة بحيث يخضع للتجربة لمدة عام حيث تقيم أعماله ونشاطاته في نهاية العام من أجل تثبيته أو تمديد فترة تجربته أو الاستغناء عن عمله، أو هو "شخص متخصص ومتفرغ وبشكل كامل، ويوفر الأمن والأمان للطالب".
فالعمل الذي يقوم به المرشد التربوي هو عبارة عن خدمات نفسية، تربوية، اجتماعية وخدمات البحث العلمي وهي موجهة في المقام الأول للطالب وهي تتداخل وتتكامل لتقابل وتغطي الحاجات الإرشادية للطلاب وتسعى لتحقيق أهداف البرنامج التربوي.
الاستراتيجيات في دائرة الإرشاد التربوي
يبدو دور الإرشاد التربوي في المدرسة او الجامعة أساسياً ومهماً في تكيف الطالب الشخصي والاجتماعي وفي نجاحه وانجازاتهِ المدرسية وفي خياراته المهنية المناسبة وبالتالي في إسهامه في مجتمعه، ومن المهم الإشارة إلى أن عملية الإرشاد والتوجيه جزء من العملية التربوية التي تهدف إلى العناية بالطالب وتوجيهه بما يحقق ذاته وتحقيق أهداف المجتمع الذي ينتمي إليه.
بناء على ذلك فإنه يمكننا تحديد استراتيجيات الإرشاد التربوي بالنقاط الآتية:

أولاً: الإرشاد التربوي جزء لا يتجزأ من أهداف وفلسفة التربية والتعليم ومع حاجات الطلبة ومتطلبات نموهم. كل ذلك ضمن إطار حاجات
المجتمع وفلسفته وأهدافه.
ثانياً: إن للإرشاد التربوي أبعاداً تربوية وشخصية واجتماعية ونفسية تهدف إلى مساعدة الطلبة على معرفة قدراتهم واستعداداتهم وميولهم وإلى مساعدتهم في حل مشكلاتهم النفسية والوصول بهم إلى تحقيق الذات والصحة النفسية وإلى اكتسابهم المهارات الخاصة بالعلاقات الإنسانية.
ثالثاً: السعي إلى إعداد المرشد المحترف والمؤهل والقادر على القيام بدوره على أكمل وجه وذلك من خلال الدورات التدريبية المتخصصة وورش العمل والمنح الدراسية.
رابعاً: تعد عملية الإرشاد التربوي عملية متواصلة تبدأ في التعليم الابتدائي وتمتد إلى نهاية المرحلة الجامعية، وهي خدمة تربوية نفسية تقدم لجميع الطلبة وفي كل الأوقات و لا تقتصر على فئة دون أخرى.
خامسا: على الرغم من المسؤولية الأساسية للمدرسة والجامعة والمرشد التربوي فإن المسؤولية تمتد إلى مؤسسات أخرى تقوم بدعم المرشد التربوي في تقديم الخدمات النفسية والتربوية.
سادساً: توفير الجو الآمن في المرحلة الدراسية، واحترام الطالب، وتكوين اتجاهات ايجابية نحو الجامعة والتعلم.
الأهداف العامة:
1. تحقيق الذات من خلال:
* الوصول بالطالب إلى أسمى غايات النمو
* اكتشاف قدرات الطلاب والعمل على تنميتها.
2. تحقيق التوافق بين الطالب وبيئتهِ وتنمية قدراته بالسيطرة على المثيرات المحيطية ومواجهة أزمات الحياة العادية.
3. تحقيق الصحة النفسية.
4. تحسين العملية التعليمية .
الأهداف الفرعية:
1. مساعدة الطلاب في تجاوز المعيقات التحصيلية، الأسرية،السلوكية، الانفعالية، بأنفسهم عن طريق الاستبصار والتفكير السليم.
2. تنمية روح التعاون والعمل الجماعي في الجامعة بين الطلبة أنفسهم.
3. زيادة درجة التفاعل بين الهيئة التدريسية والطلبة.
الأدوار العامة التي يقوم بها المرشد التربوي:
1. أن يساعد الطلبة في التغلب على الصعوبات الأكاديمية.
2. يقدم المرشد برامج إنمائية ووقائية وعلاجية وبرامج للتداخل في الأزمات والمواقف الطارئة.
3. أن يساعد المرشد الطلاب من ذوي المشكلات العاطفية أو الوجدانية في التغلب عليها وإيجاد حلول مُرّضية لهم، تتناسب والواقع وتجعلهم يشعرون بالرضا عن أنفسهم وعن بيئتهم.
4. يتعاون المرشد مع أسر الطلبة في حل بعض المشكلات التي تواجههم.
5. يقدم المرشد خدمات الإرشاد والتوجيه للطلبة عموماً لمساعدتهم في صقل اتجاهاتهم العلمية والمعرفية للمستقبل.
6. يقوم المرشد بتطبيق وتطوير بعض الاختبارات العلمية لخدمة الأهداف الإرشادية والتربوية.
7. يقوم المرشد بعمل سجلات للطلبة لبعض الحالات التي تستدعي المتابعة.
8. المرشد التربوي يستشير ويعمل مع الأخصائيين الآخرين بالتنسيق مع الجهات المتخصصة .
مهمات واختصاصات الإرشاد التربوي:
أولاً: تحسين العملية التربوية .
• رفع مستوى التحصيل العلمي للطلبة
• تشجيع الطلبة على الالتزام بالدوام.
• العمل على الحد من ظاهرة الغياب المتكرر
ثانياً: تحقيق الصحة النفسية للطلبة.
• مساعدة الطلبة على مواجهة الضغوط والأزمات النفسية والاجتماعية وذلك من خلال أنشطة وبرامج وفعاليات.
• مساعدة الطلبة الجدد على التكيف مع البيئة الجامعية.
• متابعة الطلبة من ذوي الحالات الخاصة التي تعاني من اضطرابات سلوكية وأمراض نفسية.
ثالثاً: تعزيز السلوكيات الايجابية والقيم الاجتماعية بين الطلبة والهيئات التدريسية.
• مساعدة الطلبة على اتخاذ القرار.
• مساعدة الطلبة على تعزيز اتجاهاتهم المهنية في المستقبل.
• تعزيز الحوار البناء بين الطالب والتدريسي عبر المنافذ المختلفة.
رابعاً : نشر الوعي الأخلاقي وأسس التفكير المستقيم بين الطلبة .
• الحد من ظاهرة العنف داخل الجامعات.
• الحد من ظاهرة التدخين وسوء استخدام المواد المضرة والعقاقير ذات التأثير النفسي.
• الحد من ظاهرة تخريب الممتلكات في الجامعة بشكل خاص والممتلكات العامة بشكل عام.
• تعزيز روح المواطنة بين الطلبة.

نظرية الذات في الإرشاد التربوي لـ كارل روجرز :
تقوم فلسفة نظرية الذات على الإيمان بأهمية الفرد مهما كانت مشكلاته؛ فلديه عناصر طيبة تساعده على حل مشكلاته، وتقرير مصيره بنفسه. فان الفلسفة الأساسية هنا للمرشد هي احترام الفرد وأهليته والعمل على توجه الذات توجيها صحيحاً ليكون جديراً بالاحترام.
خطوات الإرشاد النفسي عند روجرز :-
1. الاستكشاف والاستطلاع : أي تعرف مصادر قلق المسترشد وتوتره، وتحديد الجوانب السلبية والايجابية في شخصية المسترشد كي يفهم شخصيته ويستثمر الجوانب الايجابية منها لتحقيق أهدافه.

2. توضيح وتحقيق القيم: يساعد المرشد المسترشد في زيادة فهمه وإدراكه لقيمه الحقيقية بهدف تعرف التناقض فيما بينها، والكشف عن أسباب التوتر الناجم من اختلاف قيمه عن الواقع. هنا يقوم المرشد بتوضيح الفرق بين القيم والآمال، القيم الحقيقية، والقيم الزائفة.

2. المكافأة وتعزيز الاستجابات : يتابع المرشد مدى التقدم أو التغير الايجابي ويقويه لدى المسترشد كخطوة أولية للتغلب على مشكلاته الانفعالية.
العلاقة الإرشادية:-
وافترض روجرز ثلاثة شروط من اجل بناء العلاقة الإرشادية :-
1. الصدق والأصالة من جانب المرشد: المرشد لا يزيف الحقائق ويقدم الصور الصادقة عن نفسه.
2. الاعتبار الايجابي غير المشروط : المرشد يحترم المسترشد ويعطيه قيمته كانسان.
3. الفهم المتعاطف: الإصغاء جيدا من قبل المرشد للمسترشد وينتبه للتعبيرات اللفظية المستخدمة وما مفهوم المسترشد عن بعض المفردات.
- أن العلاقة الإرشادية تقوم بين المرشد والمسترشد من وجهة نظر روجرز على ما يأتي :
1. الفهم الموضوعي للمسترشد من خلال وجهة نظره وبالطريقة التي ينظر بها إلى نفسه والى العالم.
2. تقبل المسترشد بغض النظر عن السلوك الذي يبديه.
3. أن يكون المرشد حيادياً في ردود أفعالهِ ودون أن يتقاطع انفعاليا مع المسترشد.
دور المرشد في العلاقة الإرشادية :-
المرحلة الأولى: وتنحصر في خلق جو من المودة والتعاون والتقبل والوضوح.
المرحلة الثانية: أن يكون المرشد مرآة لانفعالات المسترشد وان يتجنب الوعظ والتهديد.
المرحلة الثالثة: يقوم المرشد بإتباع مجموعة من المعطيات وفي مقدمتها الإصغاء والتعاطف لتكوين صورة عن المسترشد وذلك كي يدرك المشكلة كما يشعر بها المسترشد.
ومن هنا نرى أن دور المرشد لا يقوم بإعطاء وسيلة العلاج ولا يقترح على المسترشد ما يجب عمله لذلك فان دوره هو فقط يدور حول عالم المسترشد دون الدخول فيه.
الجوانب الأساسية للعلاقة الإرشادية :-
1. التقبل : يجب أن يتقبل المرشد المسترشد كما هو، كما يجب أن يكون المرشد متوازناً ومتماسكا ولا يوحي بالتناقض في أطروحاته.
2. التفهم : يحاول المرشد أن يعيش عالم المسترشد، ليفهم ما يعانيه وما يخبئ في أعماقه.
3. الإصغاء: إن إصغاء المرشد أهم بكثير من كلامه.
4. التعاطف: وهو المشاركة الوجدانية بين المرشد والمسترشد.
5. الاحترام الايجابي الدافئ غير المشروط : وهي تقبل المسترشد كما هو.
6. الزيف ( عدم الحقيقة ) : أن يتعامل المرشد بوضوحٍ وشفافية وتلقائية في التعبير.
7. الاحترام: احترام المرشد للمسترشد يساعده على معرفة ذاته وتقييمها.
8. الواقعية: على المرشد توصيل المسترشد إلى التفكير الواقعي.
9. المواجهة : أن يكون المرشد عوناً للمسترشد في التعبير عن أرائه بحرية وتلقائية وبذات الألفاظ التي تعود عليها عندما يريد ان يعبر عن مشكلاته التي يعاني منها.
إضاءات جديدة في الإرشاد التربوي حول في التعليم الجامعي
هناك قصور شديد في توجيه وإرشاد الطلبة في مراحل التعليم الجامعي، ويتجلي هذا القصور بعدم إدراك العاملين في المجال التربوي لمفهوم التوجيه والإرشاد ، حيث أنهم يربطون مفهوم التوجيه والإرشاد فقط بالإرشاد النفسي والمشكلات السلوكية غير السوية من اضطرابات نفسية أو سلوك عدواني بالرغم من أن عملية الإرشاد عملية شمولية تشمل المشكلات النفسية ومن ثم مساعدة الطلبة في اكتشاف ذوات من خلال الخبرات والنشاطات التربوية .

إذن من الوظائف القديمة الجديدة للجامعة توفير الخبرات التربوية المتعددة والمتنوعة لاكتشاف الطلبة لأنفسهم واستعداداتهم وحاجاتهم واهتماماتهم واتجاهاتهم ومن ثم بلورتها إلى ميول محددة تقود إلى المجال المعرفي المناسب ومنه إلى الوظيفة المستقبلية . لذا تظهر الحاجة إلى توفير الإرشاد التربوي المناسب والإيجابي. ويتضح قصدنا بقدرة الطالب على اكتشاف نفسه، من خلال الأسئلة الآتية:
ما الإرشاد التربوي المطلوب في مؤسساتنا التعليمية ؟

ومن هم الأفراد الذي يجب أن يقدموا هذا النوع من الإرشاد ؟

وما الخبرات التربوية التي تحقق هذا النوع من الإرشاد ؟

- والآن تعالوا معي نتعرف على قصة السيد عادي !!!
وقبل أن نتعرف على مضمون القصة علينا أن نعرف الحقيقتين التاليتين على لسان أثنين من أكبر علماء العالم الذين غيروا وجه التاريخ والمدنية:
إن العبقرية هي 1 % ذكاء، و 99 % جهد من الإنسان.
( توماس أديسون )
الغباء: هو أن تكرر نفس العمل في كل مرة، ثم تتوقع أن تحصل على نتائج مختلفة ! ( آينشتين ) :
السيد عادي إنسان بسيط وعادي، من أسرة عادية، درس وتعلم في مدارس عادية، ثم تخرج وحصل على نسبة عادية، فلم يستطع أن يدخل الجامعة ويكمل دراسته، وإنما اكتفى بالعمل في وظيفة عادية ! وكان السيد عادي يعمل بصورة عادية ، ثم تزوج صاحبنا السيد عادي امرأة عادية ، وعاش معها بطريقة عادية ، وأنجب منها ثلاثة أطفال عاديين ، وقام بتربيتهم تربية عادية ، وأدخلهم في مدارس عادية ، ثم كبر السيد عادي ومات ميتة عادية ، فأكمل أولاده المشوار بطريقة عادية أيضاً ... فتخرجوا بنسبة عادية، وعملوا بوظائف عادية، وتزوجوا بطريقة عادية.. وعاشوا وماتوا بطريقة عادية...
حكاية عادية صح ؟ .. ولكن هل تعلم ما هي نسبة البشر اللذين يعيشون على طريقة صاحبنا المسكين – السيد عادي ؟!!!
حسناً .. نسبة عالية جدا من البشر يعيشون حياتهم بطريقة عادية تشبه حياة السيد عادي، والنسبة الأقل من مجموع البشر هم من يملك الجرأة والشجاعة الكافية، بالإضافة إلى الإبداع والرغبة للعيش بصورة " متميزة ". حاول أن لا تجعل من حياتك تكراراً أو استنساخاً لحياة الآخرين. الأجمل أن تكون أنت نفسك وليس نسخة من غيرك.. هذا هو التميز وهذا هو النجاح !
وأخيراً أقول لكم جميعاً ما قاله الفيلسوف كنت:

قال إمانويل كنت ، الفيلسوف الألماني العظيم : " التنوير هو خروج الإنسان من قصوره الذي أقترفه في حق نفسه ، وهذا القصور هو عجزه عن استخدام عقله إلاً بتوجيه من إنسان آخر . ويجلب الإنسان على نفسه ذنب هذا القصور عندما لا يكون السبب فيه هو افتقاره إلى العقل ، بل إلى العزم والشجاعة اللين يحفزانه على استخدام العقل بغير توجيه من إنسان آخر . "