العناصر الفاعلة في عمليتي الإرشاد والتوجيهتتفق نظرة المربين إلى التوجيه المدرسي والتوجيه المهنى في كونهما وجهين لعملة واحدة، على اعتبار أنهما عمليتان متصلتان يرتبط بعضهما ببعض و يكمّل الواحد منهما الآخر. ولا خلاف بينهم في أن وضع التلميذ المناسب في المكان المناسب، و منحه الدراسة المناسبة عمل أساس في توجيه المتمدرسين نحو الفروع الملائمة لمؤهلاتهم العلمية وقدراتهم الفكرية والبدنية، ومنها توجيههم بعد ذلك نحو ما يحققون به ذواتهم من مهن لائقة يمتهنونها مستقبلا.
ولئن كان التوجيه المدرسي والتوجيه المهني على هذا النحو من التلازم والتكامل، فإن التوجيه من حيث هو عملية جماعية مشتركة يقتضي مساهمة سائر الفعاليات التربوية سواء أكانت علاقتها بالتوجيه مباشرة أم غير مباشرة؛ يعني ذلك أنه يقتضي إشراك كافة الطاقات العاملة في القطاع وجميع الهيئات المختصة وغير المختصة، ومنها: المعلمون مراكز التوجيه، مستشارو التوجيه، الأسرة والمجتمع. من هنا يقودنا السؤال عن واقع التوجيه في بلادنا إلى النظر في مختلف الفعاليات التي تنشط في هذا المضمار وماهية الممارسات المتاحة لكل طرف أو شريك فيه ومدى أهمته و نجاعته:
أولا، المعلم: المعلم أول من يعي أن التوجيه عملية فنية تستلزم ممن يمارسها أن يكون على جانب كبير من الأهلية العلمية والفنية، إضافة إلى الصفات الشخصية المتميزة. الأمر الذي يفسر ضرورة العناية بمدى صلاحية المدرسين للقيام بهذه المهمة أو ببعض خدماتها على الأقل. ولعل من المعلمين من حاول مساعدة التلاميذ في حل مشاكلهم دونما سالف خبرة له في فن التوجيه، ولو أن ذلك لم يتعد مستوى الخدمات المعتادة التي يمكن لأي معلم القيام بها، وأهمها:
- خلق جو ملائم يساعد التلميذ على بدل جهود لاستغلال قدراته واستعداداته والعمل على أن تكون له علاقة طيبة تجمعه بزملائه ومدرسيه طوال مساره الدراسي؛
- مساعدته على وضع أهداف تتفق مع ميوله وقدراته واستعداداته، ويعمل على تحقيقها باستمرار؛
- إشباع حاجاته التعلميّة بتعديل طريقة التدريس وتكييف المادة التعليمية وفق ما يلزم المتعلم ويناسب قدراته؛
- تقييم تعلمه وسلوكه تقييما موضوعيا بما يبرز ملامح شخصيته العلمية والاجتماعية ويستشف ملامحه المستقبلية؛
- إيجاد القدرة على اكتشاف مشاكل تلاميذه وإحالة ذوي الحاجة منهم على الأخصائي الذي يتولاه بالعناية اللازمة في الوقت المناسب..
ثانيا، مستشار التوجيه: المعلوم في النصوص الرسمية التنظيمية أن مستشار التوجيه هو من يتولى رسميا القيام بالتوجيه المدرسي على مستوى المؤسسات التعليمية ومراكز التكوين. وأن مهامه تؤهله للتدخل على أكثر من مستوى وفي أكثر من مجال من مجالات تخصصه، و أن نشاطه يمارس تحت إشراف المدير ويندرج ضمن نشاطات الفريق التربوي التابع للمؤسسة فضلا عن إدراجه بصفة رسمية ضمن تشكيلة مختلف مجالس التسيير. لذلك لا بد من القول وبصوت عال إن انحصار الدور المنوط بالمستشار في دراسة النتائج التي يحصل عليها المتعلم في الفروض والاختبارات الفصلية لا تستنفذ مهامه وخدماته المنصوص عليها في مناشير الوزارة ، لا سيما منها:
- المنشور الوزاري رقم 432/ 1241 / 91 المؤرخ في 14/12/91 والمتعلق بالمحاور الأساسية لبرمجة النشاطات في مراكز التوجيه المدرسي والمهني، ذلك الذي ينص على ضرورة مشاركة مستشار التوجيه مع الأساتذة في إعداد الاختبارات الفصلية وما يتبع ذلك من مهام كتحليل المادة، وتحديد المفاهيم الأساسية، وحصر وتحليل نتائج المتعلمين.
- المنشور الوزاري رقم 269/1241/91 المؤرخ في 24/12/91 المتعلق بتنظيم عمليات مستشاري التوجيه، الذي ينص في الفقرة المتعلقة ببرنامج النشاطات السنوية للمستشار على دراسة نتائج عمليات التقييم التربوي، واستثمار هذه النتائج مع الأساتذة، والمساهمة في إعداد وتنظيم كيفية إجراء عملية التقييم بالمؤسسات التربوية.
هذان النصان يحددان لإطار الرسمي والعملي للمهام الموكلة إلى مستشاري التوجيه وطريقة بنائها في محور التقييم منذ موسم 1999/2000، ويمكن تصنيف هذه النشاطات في مجالات ثلاثة هي:
1.التوجيه، ويشمل عدة مهام منها: القيام بالإرشاد النفسي والتربوي قصد مساعدة التلميذ على التكيّف مع النشاط التربوي؛
- إجراء المقابلات الضرورية للتكفل نفسيا بالتلاميذ الذين يعانون من مشكلات خاصة
و توجيههم عند الضرورة إلى المصالح المؤهلة.
- المشاركة في عملية استكشاف التلاميذ الذين هم في حاجة إلى دروس الدّعم والاستدراك.
- المساهمة في تحديد مخطط إنجاز الأنظمة التربوية بناء على نتائج متابعة التلاميذ في الأقسام.
- تحضير مجالس القبول والتوجيه.
2.الإعلام، ويتضمن:- ضمان سيولة إعلامية بين مختلف المتعاملين في المؤسسة التعليمية.
- إطلاع الشركاء والمعنيين بالتوجيه على كافة الفروع الدراسية وسائر التخصصات المهنية المتوفرة عبر مؤسسات التعليم ومراكز التكوين وعالم الشغل والمجتمع بشكل عام.
- تنشيط عمليات الاتصال داخل المؤسسة والمتعاملين معها،وبينها وبين الهيئات ذات العلاقة
- تنشيط حصص إعلامية جماعية و تنظيم لقاءات بين التلاميذ و الأولياء و المتعاملين و المهنيين.
- تنشيط خلية التوثيق والإعلام والإشراف عليها.
3.التقييم، ويحوي:- تقييم المردود الدراسي للتلميذ؛
- القيام بالدراسات والأبحاث استجابة لحاجات المؤسسة؛
- المشاركة في مختلف الدراسات المبرمجة من طرف الهيئات الوصّية؛
- المساهمة في كل النشاطات اليومية للمؤسسة.
ثالثا، مراكز التوجيه:تعتبر مراكز التوجيه المدرسي والمهني مؤسسات تقنية تابعة إداريا إلى مديرية التربية, يوكل إليها تكريس سياسة التوجيه المدرسي على مستوى المؤسسات التعليمية عبر مستشاري التوجيه، كما تسند لهذه المراكز عدة مهام أخرى، أهمها:
- المساهمة في تحديد الاتجاهات العامة للخريطة التربوية من أجل تجسيد السياسة التربوية على مستواه؛
- القيام بتصور وإعداد الوسائل التقنية التي تساعد على بلوغ أهداف التوجيه في الميدان؛
- السهر على السير الحسن لمختلف مجالس القبول والتوجيه وعلى متابعة المسار الدراسي للتلميذ؛
- ضمان الإعلام بين الوسط المدرسي في مجالات الدراسة والتكوين وعالم الشغل
- وتوفير بنك معلومات حول مختلف الميادين الدراسة والتكوين، ثم تحليلها واستغلالها
- المشاركة في تقييم المناهج التربوية ومدخلات ومخرجات المنظومة التربوية.
رابعا، الأسرة:الأسرة هي الوسط الطبيعي الذي يولد فيه الطفل، وفيه ينمو ويترعرع وتتسع آفاق مدركاته. وهو وسط يستمد منه أولى معارفه وسلوكاته التي سرعان ما تأخذ في التنوع والتطور بحسب نوعية وطبيعة ما تحيطه به الأسرة من الرعاية والاهتمام .وأن بهذه المكتسبات المعرفية والسلوكية المتنامية يتوصل الطفل إلى معرفة ذاته، فيميز بينها
و بين ما يحيط به من أشخاص وأشياء وألوان
كما يميز بين هذا وذاك وهذه وتلك مما ينتمي إلى دائرة ميوله واهتمامه و يملأ فضاء بيئته الصغيرة، فتتشكل لديه نظرة وفكر يسمحان له بالتفتح تدريجيا على جوانب الحياة وأجزاء العالم المحيط به، وإدراك ما تيسر له فيه من أسرار وعلائق بينها، فينمو وتنمو معارفه في تناسق واتزان .
من هنا تبرز أهمية الوسط العائلي كمسرح لفضول الطفل واكتشافاته، ومخبر لتجاربه ومعارفه، يتفاعل معه أيما تفاعل ويتأثر به أيما تأثر. كما تبرز أهمية موقف الأسرة منه والدور الذي تؤديه إزاءه من إشباع لرغبات
وتلبية لمطالب، ورد عن سؤال، وإرشاد إلى سلوك ونهي عن آخر، وتوجيه إلى الإكثار من التفاعل، حتى أنه إذا ما قادته قدماه إلى مقعد الدرس كانت المدرسة بالنسبة إليه امتدادا لمسرحه الأول، لا غرابة فيها سوى أنها ميدان سباق يتنافس فيه الأقران والأتراب على كسب المنافع المعرفية والسلوكية بأسلوب مدروس ينوع اهتماماتهم ويعمق فضولهم ويرقى بأذواقهم، ويحفزهم على طلب المزيد من التعلم الهادف الذي به يواجهون الحياة
ويدركون أسرارها.
بمثل هذا الدور الواعي والمسؤول تؤدي الأسرة رسالتها إزاء طفلها بهدف تأهيله طبيعيا إلى ممارسة تعلمه،كابن بين أحضانها أولا ، ثم كتلميذ في المدرسة ثانيا قبل أن يكون راشدا ينتمي إلى مجتمع له فيه وعليه حقوق وواجبات.
ولئن كانت بعض الأسرة تعي اليوم تمام الوعي أن الدور الأساس في توجيه النشء يترتب عليها قبل غيرها، فلا يمكن الزعم أن هذا الوعي قد طال كافة الأسر الجزائرية أو جلها بأقل تقدير، لأن مثل هذا الادعاء مجرد ضرب من أضرب المبالغة والهذيان في الوقت الراهن ليس إلا، مادام الواقع غير ذلك تماما. وبحسبنا الإشارة هنا إلى علاقة الأسرة بالمدرسة وتعاونها معها، وطبيعة الزيارات القليلة – إن لم تكن منعدمة- التي يخص بها الأولياء المعلمين، مع العلم طبعا أن من يتفقدون أبناءهم في المدارس هم على العموم أولياء التلاميذ المتفوقين، فيما يبقى الآخرون وهم الأغلبية الساحقة موضوع استفهام. ما أدى ببعض الدارسين في هذا السياق إلى تصنيف الأسر الجزائرية على النحو التالي:
1. أسر تعي أهمية دورها في التوجيه، وتقوم به على ما يرام, وتمثل فئة قليلة؛
2. أسر تعي أن لها دورا في التوجيه إلا أنها لا تقوم به، أو لا تقوى عليه لكونه لا تتوفر على الإمكانات والوسائل المساعدة؛
3. أسر تجهل تماما هذا الدور اعتقادا منها أن تعلق بدراسة الأبناء وتوجيههم أمر يخص المعلم والمعلم وحده.
و الملحوظ في هذا التصنيف أن ثلثي الأسر الجزائرية لسبب أو لآخر لا تقوم بأي دور تسهم به في توجيه أبنائها المتمدرسين. إنه لأمر مؤسف حقا خصوصا أنها تمثل النسبة الكبرى في المجتمع.
ولكن كيف يمكن لهذه الأسر أن تقوم دورها وهي مجردة من الإمكانات الداعمة والوسائل المساعدة على أداء هذه المهمة ! بل من أين يتأتى لها الوعي بالدور المنوط بها إذا كانت تفتقر لأدنى العناية بها، ونشر الوعي في أوساطها!
أليست أولى بالعناية والاهتمام ؟ أليست أجدر بأن تتعلم كيف توجه قبل أن يطلب منها أن توجه ؟
إلى متى ستظل الأسر الجزائرية تنظر على التوجيه من زاوية واحدة وبنصف عين ؟ إلى متى يدوم جهلها أو تجاهلها لمختلف الحرف التي قد يجد الأبناء فيها نجاحا كبيرا؟ و إلى متى ستظل رغبة الأولياء محصورة في مهنتي الطبيب والمهندس، كأنما الحياة لا تقوم إلا على هاتين المهنتين، أو كأنما غيرهما لا يسمو إلى مستوى شأنهم، أولا يليق بنجاح أبنائهم المرغوب.
أما آن لأسرنا أن تتخلى عن هذا الفكر الذي لا يؤدي بأبنائنا إلى أبعد من الفشل المحتوم ؟ أليس حريا بها أن تفكر أولا فيما يليق بأبنائها قبل التفكير فيما يليق بها وبالمكانة الاجتماعية التي تصبو إليها! أليس من الحكمة أن تعنى بميلهم وتقديم الدعم لهم ومساعدتهم في دراستهم، وتترك أولوية الدور لهم في اختيار أنسب المهن وأليقها بهم؟
وأخيرا، ألا يمكن القول إن مشكلة الأسر الجزائرية فيما يخص التوجيه هي بالأساس مشكلة تتعلق بغياب الإعلام قبلا وبعدا ؟! أليس لوسائل الإعلام جانب من المسؤولة فيما آلت إليه الأسرة ، حتى أن معظمها لا يعلم شيئا عن عالم الشغل أ ويكاد ؟
خامسا، المجتمع : قد يكون الحديث عن دور المجتمع في التوجيه مناسبة لإثارة عدد من التساؤلات، وبالخصوص إذا كان الحديث بصدد حصر الخدمات التي يقدمها المجتمع لمستحقيها ، وتحديد عناصره الفاعلة في هذا المجال
والمهام المنوطة بكل منهم ولعل أولى هذه التساؤلات ما تعلق منها خاصة بطبيعة الدور المسند إلى المجتمع وبأهدافه وأبعاده الاستراتيجية في العملية التنموية الشاملة
علما أن مفهوم المجتمع في بلادنا، من حيث علاقته بالتوجيه وموقفه منه يبدو في ميزان التوجيه أضيق بكثير مما يتسع له في واقع الشعوب المتقدمة الواعية. ولا ريب أنه سيظل كذلك ما لم يتسع ليشمل كل ما يزخر به من طاقات بشرية هائلة، وهيئات عمومية، ومؤسسات عامة وخاصة، ومرافق علمية وثقافية، ونواد مختلفة، ووسائل إعلام وشبكات اتصال محلية، وعالمية وغير ذلك مما يمكن استغلاله في عملية التوجيه، طالما هناك من يعتقد أن المجتمع هو الدولة أو الحكومة ليس إلا ، أو من يرى أنه يعني « الناس جميعا ولا أحد في نفس الوقت «.
بمثل هذا التباين والخلط في المفاهيم لا يتأتى لأي مجتمع أن يعي بسهولة مسؤولياته أو يقوم بأي دور من أدواره الهادفة على أحسن حال
ولعل في ذلك ما يعلل القصور الملحوظ في قيام المجتمع بدوره كاملا في مجال التوجيه، ويبين أن المجتمع لم يرق بعد عندنا إلى مصاف المجتمعات الواعية بمدى ما للتوجيه من أهمية في تحقيق أبعادها التقدمية والحضارية، ولن يرقى ما لم نعلم أن المجتمع يستشف جانبا كبيرا من دوره من انشغالات الأفراد والأسر التي تشكله واهتماماتها وتطلعاتها.
وإذا كان مصير الأبناء أهم ما تعنى به الأسر وتهتم ، فليس أقل شأنا من أن يكون للمجتمع دور من الأدوار في توجيههم إلى ما يضمن مصيرهم المأمول، لا سيما أن للمجتمع من قوة التأثير على الأفراد، ومن الهياكل والطاقات والإمكانات مالا يتوفر لبيئة أخرى سواه.
ومن هذا المنطلق لا يسعنا إلا أن نثير الانتباه إلى أهمية الدور الذي يمكن للمجتمع أن يلعبه في توعية الشباب ودلهم على سائر الإمكانات المتاحة لهم في كافة قطاعاته، من حرف وتخصصات ومجالات الدراسة والتكوين
والتعريف بها دون تمييز بينها ، وبالأخص دون تهميش بعضها وإقصاء البعض الآخر حتى يتسنى لشبابنا اختيار ما يلائمهم منها ، ومن ذلك إلى ضرورة وضع الميكانيزمات اللازمة وتجنيد الوسائل الحديثة الجديرة بهذا الدور . ومن هنا يحق لنا أن نسأل أيضا عما إذا كانت هذه الوسائل قادرة حقا على التكفل بمهمة التوجيه وضمانه لآلاف المتمدرسين، وعن كيفية الأداء و الخدمات المقدمة في هذا الإطار، وحجمها ونوعها
كما يحق لنا أن نسأل عن إمكانية استخدامها وكلفتها ، ومدى استفادة الأفراد منها
وإقبالهم عليها، وأماكن توفرها.
الواقع أن هذه التساؤلات لن تجد لها صدى إلا عبر الوقوف عند كل هيئة من هيئات المجتمع المعنية بالتوجيه بدء بأوسعها انتشارا وتأثيرا، ونعني بذلك وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ، للنظر فيما تقدمه للمتعلمين والمتكونين من خدمات التوجيه المباشر أو غير المباشر من خلال المساحات المكانية والفسح الزمنية المخصصة في أعدادها وبرامجها اليومية أو السنوية لهذا الغرض على مدى السنة الدراسية أولا، ثم على مدى مسار التكوين ثانية.
يلي ذلك جمعيات أولياء التلاميذ المنصبة عبر الوطن على مستوى كل المؤسسات التعليمية، ومختلف الهيئات ذات الصلة
مرورا بالإدارة العامة والقطاعات الاقتصادية وقطاع الوظيف والخدمات ...التي تبدو مقصرة إلى حد كبير، بل عديمة الاهتمام تماما بالدور الذي يمكنها القيام به في توجيه الشباب من خلال تعريفهم بمختلف الحرف والمهن والتخصصات التي يوفرها لهم الوطن ، وما تتطلبه هذه الأخيرة من تعلم وتكوين ومؤهلات وشروط امتهانها، أما بقية العناصر أو الشركاء فحدث ولا حرج ...
خطوات علمية لممارسة التوجيه من المؤسف أن توزيع التلاميذ على أنواع التعليم المختلفة لا يزال يتم بناء على مقدار تحصيلهم الدراسي في الاختبار وعلى نزواتهم الشخصية ورغبة الأولياء. وهذا لا يُعد مقياساً صادقاً ومعبراً عن شخصية التلميذ ولا يعطي المؤشرات الكافية للتنبؤ بنجاحه أو فشله. ونتيجة لذلك تعنى مديرية التوجيه والتقويم والاتصال بتطوير خدمات وبرامج التوجيه بما يتواكب مع خطط التنمية وأهدافها الطموحة
كما تعنى بتوجيه التلاميذ في جميع مراحلهم الدراسية وبمساعدتهم في اتخاذ قراراتهم السليمة واختياراتهم المناسبة للتخصصات والمجالات التعليمية والمهنية التي تتفق مع ميولهم واستعداداتهم وقدراتهم. ولذا، نراها تدأب حالياً على استخدام الخطوات العلمية في توجيه التلاميذ وخاصة في المرحلة الثانوية والمتوسطة نحو اختيار التخصصات التعليمية أو المهنية الملائمة. هذه الخطوات تتمثل في الآتي :
1 - الدراسة التحليلية لشخصية الطالب وتقييم قدراته: تتم دراسة شاملة لشخصية الطالب بجمع المعلومات اللازمة، و أهمها:
- النشاطات الصفية واللاصفية والهوايات التي يمارسها التلميذ؛
- مستوى تحصيل التلميذ الدراسي وتقويمه وجوانب التفوق لديه؛
- محتويات البطاقات وسجلات المعلومات الشاملة للتلميذ؛
- الانطباعات والاستجابات التي يظهرها التلميذ عن بعض التخصصات التعليمية أو المهنية ؛
- خصائصه وقدراته ونقاط قوته وضعفه...
2-الدراسة التحليلية والوصف للمجالات التعليمية أو المهنية ومستقبلها:في هذه الخطوة يتم دراسة التخصصات التعليمية والمهنية المتاحة في المجتمع للتعرف على طبيعتها وخصائصها ومميزاتها وأهدافها ومستقبلها، وما تتطلبه من مهارات وخصائص وقـدرات جسمية وعقلية ونفسية في التلميذ الراغب في الالتحاق بها، وتقديم وصف متكامل عنها. من المهم هنا مراعاة تعدد المصـادر في الحصول على المعلومات والبيانات اللازمة عن تلك التخصصات والمجالات، كالرجوع للدلائل والكتيبات والنشرات وعقد اللقاءات والمقابلات مع المنتمين لها من متعلمين أو عامـلين أو معلمين ومشرفين وعن طريق نتائج الاستفتاءات والاستبيانات المطبقة عليهم
والقيام بالزيارات الميدانية لها والإطلاع على مناهجها وأنشطتها وأدواتها .. الخ ، ويتم الوصف لتلك المجالات وفق الآتي:
- تحديد نوع التخصص؛
- التعرف على طبيعته وخصائصه ومميزاته؛
- تحديد أهداف المجال وغاياته؛
- تحديد شروطه وما يتطلبه في الشخص الراغب في الالتحاق به من خصائص جسمية وعقلية واستعدادات وميول ومؤهلات علمية؛
- إيضاح أهميته ومستقبله التعليمي والمهني
ومدى حاجة المجتمع إليه. والعمل على تقديم تلك المعلومات والخدمات للطلاب عن طريق المقابلات والجلسات الإرشادية الفردية والجماعية، والنشرات والأدلة والكتيبات والمجلات واللوحات والأفلام والصور التوضيحية وعقد الندوات واللقاءات والمحاضرات مع المختصين في هذه المجالات، وتنفيذ الزيارات الميدانية لها، واستثمار نشاطات التلاميذ، والإذاعة المدرسية، وبعض موضوعات المناهج الدراسية، وتنظيم المسابقات الطلابية .. الخ.
3-الملاءمة بين خصائص التلميذ ومتطلبات المجال التعليمي أو المهني:تعتبر هذه الخطوة من أهم الخطوات في توجيه التلميذ تعليمياً ومهنيا لأنها النقطة التي تنطلق منها أهم قرارات التلميذ نحو اختيار المجال أو التخصص التعليمي أو المهني الذي قد يكون مصدراً لنجاحه وسعادته أو سبباً في فشله وخيبة أمله وفقا لمدى سلامة تنفيذ هذه الخطوة وتطبيقها.وفيها تتم مساعدة التلميذ في التوفيق والمواءمة بين خصائصه وقدراته ومواهبه واستعداداته وميوله وبين ما تتطلبه تلك التخصصات والمجالات التعليمية أو المهنية من خصائص فكرية أو بدنية أو نفسية. ففي الاختيار الموفق والمواءمة بين خصائص التلميذ وبين متطلبات المجال تكمن سلامة قرارالتوجيه.
المراجع المعتمدة:- مصطفى بن حبيلس، من واقع التوجيه في الجزائر، من قراءات المركز، ج1، 2009
منقول: المركز الوطني للوثائق