إنّني أتهملا احد ينكر أنّ التعليم والتعلّم كان أحسن حالا فيما مضى، حيث لا يوجد وسائل تعليمية متطورة، ولا كتب كثيرة متداولة، كل ما في الأمر أنّ هناك تلميذا يستمع جيدا، ويفهم الإشارة قبل العبارة، وهناك أستاذ متمكّن قدير، يحبّ مهنته حبّا لدرجة أنّه يشتري بماله القليل ما تفتقر إليه مؤسسته من كتب وأقلام ووسائل.
وبين هذا وذالك الحبّ والاحترام المتداول، وإن وسّعت الدائرة دخل فيها ولي التلميذ الذي يقدّر العلم والتعليم، ويرى المعلّم رسولا ، وعلى ابنه أن يكون مقتديا بعلمه وخلقه. هذا الولي يرى أن فشل ابنه في الدراسة هي بداية نهاية الحياة الكريمة، وأنّ ابنه الفاشل ما هو إلا نسخة عن أبيه الأمي الذي لم تسمح له الظروف بالتعلّم، لذا فهو لا يقبل ان يكون ابنه صورة طبق الأصل عن أبيه، فيرفض أن يعيش ابنه في جلبابه.
وبتكبير الدائرة نجد أن المجتمع على عمومه في وسطها، فالتعليم إنما يكون لخدمة المجتمع في النهاية، وهذا المجتمع ما كان يطلق نكتا على المعلم أبدا، وما كان يجرؤ على احتقاره والنظر إليه نظرة ازدراء. إن هذا المجتمع الذي تغلب على عمومه أنذاك الأميّة كان يقدّر العلم والعلماء، ويرى المدرسة الكوكب المشرق، والأمل الساطع والمستقبل الباسم.
غير أن اليوم - والمصيبة أكبر غدا - انقلبت الموازين، واختلطت المفاهيم، فلم يعد التلميذ ذاك التلميذ، والمعلم ذاك المعلم، والولي ذاك الولي الطيّب، ولا المجتمع ذاك المجتمع. فما السبب ياترى؟
لا يمكن أن نتهم الحضارة في هذا الأمر لأننا لم نر الحضارة بعد، وإنما نحن نتخبط على حواشها خبط عشواء. ولا نتهم أيضا المجتمع مباشرة لأنه هو أيضا الضحيّة، كما أنه من العدل أيضا أن نبرّئ المعلم والمتعلّم من تحمّل وزر هذه الكارثة.
إذن من يتحمّل مسؤولية انحطاط التعليم في المدارس عندنا؟
وزارة التربية والتعليم.............. هل هي؟
ولمَ لا ... أليست هي:
من تضع المناهج الميّتة المستوردة من شعاب أوربا .
أليست هي من قضت على المعاهد التكنولوجية التي كانت تخرّج خيرة الملعلّمين؟
أليست هي من توظف شبه أساتذة توظيفا مباشرا دون تكوين، ولا تدريب، ولا اطلاع على المناهج، ولا ممارسة في الميدان؟
أليست هي من مسخت دروس التربية الإسلامية فصارت فارغة من محتواها، وجعلت من عيد الشجرة من مواضيعها؟
أليست هي التي تصرّ على تدريس اللغة الفرنسية تدريسا مكثفا رغم أنها لغة ميّتة؟
أليست هي من تحرّش بين المجتمع والمعلمين والتلاميذ بمناشير تهدد طرد الملعم أو سجنه إن أخطأ في حق تلميذ، فصار التلميذ ربّا والملعم عبدا؟
ألم تكن الوزارة بوزير واحد لما يقارب عشرين سنة، فكانت سنوات عجاف في الفكرة ، نكرر الماضي بعقلية الحاضر؟
الحقيقة أنّ اتهامي طويلة
قد تقول: ولم لا يكون المعلم ؟
أقول نعم، لكن من جعل المعلم ضعيف الشخصية أمام تلامذته؟ ومن جعل الملعم جاهلا بالمناهج وطرق التدريس؟ ومن جعل المعلم ضعيف العلم والتكوين؟
أليست الوزارة التي أطلقت أيدي الأولياء والتلاميذ على المعلمين، فصار المجتمع كله يضرب المعلم كضربة رجل واحد؟
أليست الوزارة التي جعلت المناهج ضعيفة المحتوى ، فأخرجت أجيالا لا يحسنون التفكير ومنهم المعلم؟
أليست الوزارة التي أقفلت معاهد التكوين وراحت توظف على المباشر؟
المعلم ضحية ، والتلميذ كذلك، والمدرسة كبش فداء .......والمخطّط ذكي.....والتخطيط عميق ورهيب .....والهدف في النهاية المسخ