ملتقى نجوم الضّاد
أهلاً بني عمنا أهلاً بني الضاد
أهلاً وسهلاً بكم يا نسل أجدادي
خبرتكم بلسماً يشفي الجروح كما
خبرتكم في الوغى سماً على العادي
لبوا ندائي فإني جئت أدعوكم
لتدخلوا صفحتي تستطعموا زادي
فمن إدام أحاديث الكرام إلى
زلال شعر به يروي ظمأ الصـــادي

عزيزي الزائر إن كنت غير مسجّل في المنتدى وأردت الاستفادة القصوى منه فسجّل فيه بالضغط على زر" التسجيل".وإن كنت عضوا في المنتدى فعرّف بنفسك بالضغط على زر " الدخول"
ملتقى نجوم الضّاد
أهلاً بني عمنا أهلاً بني الضاد
أهلاً وسهلاً بكم يا نسل أجدادي
خبرتكم بلسماً يشفي الجروح كما
خبرتكم في الوغى سماً على العادي
لبوا ندائي فإني جئت أدعوكم
لتدخلوا صفحتي تستطعموا زادي
فمن إدام أحاديث الكرام إلى
زلال شعر به يروي ظمأ الصـــادي

عزيزي الزائر إن كنت غير مسجّل في المنتدى وأردت الاستفادة القصوى منه فسجّل فيه بالضغط على زر" التسجيل".وإن كنت عضوا في المنتدى فعرّف بنفسك بالضغط على زر " الدخول"
ملتقى نجوم الضّاد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى نجوم الضّاد

ملتقى برج بوعريريج التربوي يجمع نجوم المدرسة الجزائرية من أساتذة وطلبة للإفادة والاستفادة
 
الرئيسيةدخولزموريات:اللغة اأحدث الصورالتسجيل
."" إن هذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو - أرادت... بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد.. في لغتها، وفي أخلاقها، وفي دينها.. " من أقوال عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعالى
" أيها الشعب الجزائري الكريم، ها أنا أمدّ يدي من قلب يحبك.. فهل تمد لي يدك ؟ لنزيل نقصنا بالكمال، وننير جهدنا بالعلم، ونمحو تخريفنا بالتفكير؟.. يدي في يدك أحببنا أم كرهنا لأن قلبي قلبك، وعقلي عقلك، وروحي روحك، ولساني لسانك، وماضي ماضيك، وحاضري حاضرك.. ومستقبلي مستقبلك.. وآلامي آلامك.. وآمالي آمالك...
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
المواضيع الأخيرة
» الجاهل والعالم
بحث وجودية عند سارتر I_icon_minitimeالأحد يوليو 07, 2019 3:47 am من طرف زكرياء والي

» نصوص فهم المنطوق للسنة الرابعة الابتدائي
بحث وجودية عند سارتر I_icon_minitimeالثلاثاء مارس 12, 2019 8:17 pm من طرف zemmouri

» شرح تسيير حصة أسبوع الإدماج ـ ساعتي الإدماج ـ في اللغة العربية في التعليم المتوسط
بحث وجودية عند سارتر I_icon_minitimeالثلاثاء أكتوبر 23, 2018 3:53 pm من طرف ابو عماد

» موقع يمنحك 40 دولارا حقيقة التسجيل فيه جرب ولن تندم
بحث وجودية عند سارتر I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 05, 2018 6:38 pm من طرف zemmouri

» التدرج السنوي لمادة العلوم الفيزيائية للسنة الأولى المتوسط وفق الجيل الثاني
بحث وجودية عند سارتر I_icon_minitimeالخميس أكتوبر 04, 2018 10:40 pm من طرف zemmouri

» مذكرات السنة الأولى المتوسط في العلوم الطبيعية وفق مناهجلجيل الثاني
بحث وجودية عند سارتر I_icon_minitimeالخميس أكتوبر 04, 2018 10:36 pm من طرف zemmouri

» التوزيع السنوي لأنشطة العلوم الطبيعية للسنة الأولى المتوسط 2018ـ2019
بحث وجودية عند سارتر I_icon_minitimeالخميس أكتوبر 04, 2018 10:18 pm من طرف zemmouri

» نصوص فهم المنطوق للسنة الثالثة الابتدائي
بحث وجودية عند سارتر I_icon_minitimeالجمعة سبتمبر 28, 2018 6:15 pm من طرف zemmouri

» نصوص فهم المنطوق للسنة الثانية الابتدائي
بحث وجودية عند سارتر I_icon_minitimeالجمعة سبتمبر 28, 2018 5:54 pm من طرف zemmouri

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
zemmouri - 4972
بحث وجودية عند سارتر Vote_rcapبحث وجودية عند سارتر Voting_barبحث وجودية عند سارتر Vote_lcap 
لغلام صلاح - 1067
بحث وجودية عند سارتر Vote_rcapبحث وجودية عند سارتر Voting_barبحث وجودية عند سارتر Vote_lcap 
alaeddine - 872
بحث وجودية عند سارتر Vote_rcapبحث وجودية عند سارتر Voting_barبحث وجودية عند سارتر Vote_lcap 
خولة - 610
بحث وجودية عند سارتر Vote_rcapبحث وجودية عند سارتر Voting_barبحث وجودية عند سارتر Vote_lcap 
asma - 540
بحث وجودية عند سارتر Vote_rcapبحث وجودية عند سارتر Voting_barبحث وجودية عند سارتر Vote_lcap 
nahla - 362
بحث وجودية عند سارتر Vote_rcapبحث وجودية عند سارتر Voting_barبحث وجودية عند سارتر Vote_lcap 
samarsinane - 345
بحث وجودية عند سارتر Vote_rcapبحث وجودية عند سارتر Voting_barبحث وجودية عند سارتر Vote_lcap 
رفيقة النبي في الفردوس - 342
بحث وجودية عند سارتر Vote_rcapبحث وجودية عند سارتر Voting_barبحث وجودية عند سارتر Vote_lcap 
زموري وأفتخر - 332
بحث وجودية عند سارتر Vote_rcapبحث وجودية عند سارتر Voting_barبحث وجودية عند سارتر Vote_lcap 
cheikh hachemi - 328
بحث وجودية عند سارتر Vote_rcapبحث وجودية عند سارتر Voting_barبحث وجودية عند سارتر Vote_lcap 

 

 بحث وجودية عند سارتر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
kayliecrus
نجم وفي
نجم وفي
kayliecrus


عدد المساهمات : 32
نقاط المشاركات : 40
تاريخ التسجيل : 25/11/2011
العمر : 30
الموقع : جزائر

بحث وجودية عند سارتر Empty
مُساهمةموضوع: بحث وجودية عند سارتر   بحث وجودية عند سارتر I_icon_minitimeالجمعة مارس 02, 2012 11:07 pm

مقدمة البحث :
يتناول البحث من خلال أجزائه ، قضية الفلسفة الوجودية وعلاقتها بالأدب ، وكيف انعكست تلك الفلسفة في أعمال سارتر الأدبية ، مسترشدين في ذلك بمسرحيتي الذباب وجلسة سرية ، وكذلك رواية الكاتب الأولى " الغثيان " ، وقد تم التعريج على مفهوم الفلسفة الوجودية ، ومن خلال ذلك تبين لنا تلك العلاقة الوثيقة التي تحكم الفلسفة بالأدب ؛ وخاصة الأدب الوجودي ، حيث جاءت أعمال سارتر الأدبية مصداقا لفلسفته ومترجما لها .
والفلسفة الوجودية كما أشرنا خلال البحث تتمحور في عدة أسس أبرزها ، أن الوجود يسبق الماهية ، وأن الإنسان صاحب إرادة حرة تدفعه نحو اختيار أفعاله ، أضف إلى ارتكازها على مبدأ الكوجيتو الديكارتي " أنا أفكر إذا أنا موجود " ، وقد فرقت الفلسفة الوجودية بين نوعين من الوجود ، هما الوجود لذاته ، والوجود في ذاته . وفي النهاية يمكننا القول أن الوجودية نقلت الفلسفة من طورها المثالي النظري ، إلى طور التطبيق وسبر أغوار النفس البشرية .كي تنتقل من كونها نفسا موجودة وجودا زائدا على اللزوم ، إلى نفس لها دور فاعل في تغيير مجريات العالم ؛ سعيا وراء تحقق وعي الإنسان للوجود ،ذلك الوعي الذي قوامه امتلاك الإرادة الحرة وليست فقط الحرة بل والقادرة على ممارسة الفعل الحر .وهذا كله لن يتحقق سوى بأسئلة الوجود ، وبشعور الغثيان الملازم للفرد الموجود ، حيث أنه بدون هذا القلق وتلك التساؤلات لا يمكن للإنسان إدراك حقيقة وجوده .





الفصل الأول :-
(1) نبذة عن الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر Jean Paul Sartre :
فيلسوف وأديب فرنسي، ينتسب إلى المذهب الوجودي.ولد في باريس في الحادي والعشرين من شهر يونيو سنة 1905. كان والده جان باتيست سارتر ضابطا في البحرية الفرنسية، وكانت أمه آن ماري اشفيزر ابنة عم المفكر واللاهوتي الشهير الدكتور ألبرت اشفيتزر، وتوفي أبوه بعد عام واحد من ولادته .
شكل سارتر عام 1941 جماعة الاشتراكية والحرية. وحاول الارتباط من خلالها بالحزب الشيوعي الفرنسي دون أن يدرك.ومع نهاية 1946 لم يكن سارتر قد شرع بعد في العمل السياسي. ولكن تشير أكثر التقديرات إلى أنه أنجز قدرا مذهلا منذ الحرب: أصبح اسمه على كل لسان، وأشرف على تحرير الصحيفة الفكرية الرائدة في فرنسا "الأزمنة الحديثة"، وخلق عصبة منتقاة حول الصحيفة، وأصبحت الوجودية على كل لسان. وحظيت موضوعاته الفكرية، من مثل الالتزام، بحوارات ساخنة. وأصدر منذ التحرير روايتين، وأخرج المسرح له مسرحيتين جديدتين، وأعدا إخراج ثالثة؛ وكتب عشرات المقالات الصحافية عن الولايات المتحدة، فضلا عن العديد من المقالات الطويلة للصحيفة؛ ونشر كتابا عن " معاداة السامية " وآخر عن سيرة حياة بودلير، ثم محاضراته عن الوجودية. وبدا، بإعتباره كاتبا ملتزما، أنه يتمتع بنجاح عظيم، إذ نقد انحرافات بودلير، وطالب الكتاب الآخرين بالعمل في صفوف اليسار، وأخذ موقفا شجاعا بشأن قضية معاداة السامية التي لا تزال السلطات تحظرها، وهيأ للمفكرين و المثقفين الشيوعيين دفعة قوية لتداول أفكارهم.وأدرك سارتر أنه لا يزال يتحدث أكثر مما يعمل، لذا أصبح لازما إن عاجلا أو آجلا الحكم عليه في ضوء دعوته هو إلى " العمل، الجهد، الكفاح، التضامن ". ورأى أن العمل السياسي هو السبيل لاستكمال الرحلة التي بدأها في حديث له مع بوفوار وريموند آرون العام 1933 .
في عام 1964 منح جائزة نوبل في الآداب، لكنه رفض استلامها، وكان مقدارها 250.000 كرون سويدي، فأعيد المبلغ إلى مؤسسة جائزة نوبل. وبرر هذا الرفض على أساسين: شخصي، وموضوعي. فقال: "إن رفضي لاستلام الجائزة ليس فعلا مرتجلا، وإنما بسبب أنني رفضت دائما التشريفات الرسمية... وهذه الفكرة تنبع من تصوري ان مهمة الكاتب... ذلك أن كل ألوان التميزات التي يمكن أن يقبلها الكاتب تعرض قراءه لضغط أراه غير مرغوب فيه".
أما عن الأسباب الموضوعية لهذا الرفض، فقد قال: " إن المعركة الممكنة الوحيدة الآن في الثقافة هي معركة التعايش السلمي بين ثقافتين: إحداهما ثقافة الشرق، والأخرى ثقافة الغرب. والمواجهة... يجب أن تتم بين الناس والثقافات، دون تدخل للنظم والمؤسسات... وأنا أعلم تمام العلم أن جائزة نوبل ليست جائزة أدبية يمنحها الغرب، لكنها تكون بحسب ما يصنع بها المرء... لكنها في الوقت الراهن تبدو موضوعيا كأنها يخص بها الكتاب الغربيون و المتمردون في الشرق" .
(2) حول نشأة المذهب الوجودي :
تشكل الفلسفة الوجودية existentionalism (من الكلمة اللاتينية existentia ، التي تعني الوجود )احد أكثر التيارات الفلسفة البرجوازية المعاصرة انتشارا . ظهرت الوجودية في مرحلة ،دخلت فيها الرأسمالية أزمتها العامة ، حين جاءت لتعبر أصدق تعبير عن روح التشاؤم و السقوط ،التي تسود الأيديولوجية البرجوازية المعاصرة . من أعلام هذه الفلسفة : مارتن هايدجر ، وكارل ياسبرز_ في المانيا ، جابريل مارسيها ، وجان بول سارتر ، وألبرت كامو _ في فرنسا،أبانيانو_في ايطاليا ،باريت_في الولايات المتحدة. لقد جاءت الفلسفة الوجودية وريثا شرعيا لأفكار برغسون ونيتشه، واستعارت منهجها من فينومينولوجيا هوسرل، وأخذت أفكارها الأساسية من تعاليم الدانماركي كيركيجور.
ظهرت الفلسفة الوجودية في ألمانيا في اعقاب الحرب العالمية الأولي. وقد تميز الجو السياسي والروحي ، الذي ترعرعت فيه، بالأسى والحقد العارم بعد الهزيمة، التي لحقت بالدوائر العسكرية الألمانية ،وبالذعر أمام تصاعد الثورة البروليتارية في روسيا والمد الثوري في المانيا ، وبآمال مبهمة في الانتقام ، وهيجان هيستيري في الأوساط الفاشية ، التي بدأت تجمع قواها ، وتستعد للانقضاض . اجتاحت موجة الوجودية فرنسا إبان الاحتلال النازي لها ، وانتشرت، على نطاق أوسع ، بعد الحرب خصوصا .وقد عبرت مؤلفات الوجوديين الفرنسيين ،الفلسفية منها والأدبية ،عن تناقضات المجتمع الفرنسي أيام الحرب وبعدها ، وعن النزعة الفردية البرجوازية المشوهة . إن عار الهزيمة والذل القومي ،وفظائع الاحتلال النازي ، من جهة ،وذعر البرجوازية الفرنسية ومثقفيها امام تصاعد الحركة الشعبية ، من جهة ثانية ، كانت وراء انتشار الأفكار الوجودية في فرنسا ، وخصوصا في الأوساط البرجوازية المثقفة.
بعد الحرب العالمية الثانية انتشرت موضة الوجودية لتشمل العالم الرأسمالي بأسره . ويعود السبب في هذا إلى أن مفكري الوجودية قد طرحوا مسائل ، تلاقي صدى واسعا في نفوس وقلوب جماهير عريضة من الناس ، وخاصة أولئك الضائعين في متاهات المجتمع البرجوازي وتناقضاته . لقد طرح الوجوديون القضايا المتعلقة بمعني الحياة الإنسانية ، ومصير الإنسان ،ومشكلات الاختيار والمسؤولية الذاتية .من الإنسان ،الذي ربط نفسه بالقوى التقدمية في المجتمع ،والمتسلح بالماركسية – اللينينية، أو القريب منها ،يستطيع ،بسهولة ،إعطاء إجابة واضحة على هذه الأسئلة الحياتية الهامة . لكن الموقف يتغير جذريا عند الفئات البرجوازية ، التي نحسن اقتراب نهاية سيطرتها ، وكذلك لدى الأفراد ،الذين لم يختاروا ،بعد، طريقهم ، يتخبطون ضائعين بين مختلف القوي المتناحرة . الى هذه الفئة من الناس ،المشحونة نفوسها بكافة أوهام المجتمع البرجوازي وأباطيله ، والتي تعي ، في الوقت ذاته ،اقتراب نهاية هذا المجتمع ، الي هذه الفئة ،بالذات، توجهت الفلسفة الوجودية في المقام الأول .
يقول سارتر: "هناك فلسفتان للوجودية، وليست فلسفة واحدة، يعتنقها صنفان من الوجوديين، وليس صنفا واحدا منهم، فهناك الوجوديون المسيحيون، وعلى رأسهم "جابرييل ما رسيل"، و"يسبرز"، والاثنان مسيحيان كاثوليكيان مخلصان لكاثوليكيتهما، وهناك الوجوديون الملحدون، وعلى رأسهم "هيدجر"، والوجوديون الفرنسيون، وأنا " سارتر ".والوجوديون عموما، سواء المسيحيين أو الملحدين يؤمنون جميعا أن الوجود سابق على الماهية، أو أن الذاتية تبدأ أولا."
(3)أبرز المبادئ التي قامت عليها الفلسفة الوجودية :
أولا / الوجود سابق على الماهية :
المبدأ الرئيسي الذي يضعه سارتر للوجودية هو القول بأن " الوجود يسبق الماهية " ، أي فيما يتصل بالإنسان ؛ مثلا: الإنسان يوجد أولاً، ويصادف، وينبثق في العالم، ثم يتحدد من بعد. فالإنسان في أول وجوده ليس شيئاً ولا يمكن أن نحده بحد؛ وعلى ذلك فليس ثم طبيعة إنسانية. بل الإنسان كما يتصور نفسه وكما يريد نفسه وكما يدرك نفسه بعد أن يوجد، وكما يشاء هو بعد هذه الوثبة نحو الوجود. ( الإنسان صانع نفسه ).
ويوضح سارتر هذا المفهوم في كتابه " الوجودية مذهب إنساني " حيث يقول :
"والآن ماذا نعني عندما نقول إن الوجود سابق على الماهية؟
إننا نعني أن الإنسان يوجد أولا، ثم يتعرف إلى نفسه، ويحتك بالعالم الخارجي، فتكون له صفاته، يختار لنفسه أشياء هي التي تحدده، فإذا لم يكن للإنسان في بداية حياته صفات محدودة، فذلك لأنه قد بدأ من الصفر. بدأ ولم يكن شيئا. وهو لن يكون شيئا إلا بعد ذلك، ولن يكون سوى ما قدره لنفسه" . ويضيف قائلا : " والإنسان ليس سوى ما يصنعه هو بنفسه. هذا هو المبدأ الأول من مبادئ الوجودية، وهذا هو ما يسميه الناس "ذاتيتها"، مستخدمين هذه الكلمة ليوجهوا بها النقد إلينا.
لكننا لا نعني بها سوى أن للإنسان كرامة أكبر مما للحجارة أو المنضدة، لأننا نعني ان نقول إن الإنسان يوجد أساسا – ثم يكون، وهو يكون شيئا، يمتد بذاته نحو المستقبل، وهو يعي أنه يمتد بها إلى المستقبل، فالإنسان مشروع، مشروع يمتلك حياة ذاتية، بدلا من أن يكون شيئا كالطحلب ."
إن كلمة الوجودية نفسها تعني التسليم لدى معتنقها بأولوية الوجود على الماهية و يقول جان بول سارتر : " بالمصطلح الفلسفي ، لكل شيء وجود ماهية ، ويظن الكثيرون أن الماهية تأتي أولا و الوجود يأتي بعد ذلك ولكن الوجودية تنص على العكس. إن لدى الإنسان و الإنسان وحده يسبق الوجود الماهية ، وهذا يعني ببساطة أن الإنسان يكون أولا ثم يكون هذا أو ذاك ". و التجربة الدالة على هذا المفهوم للوجود و الذي يمثل لمعتنقي هذا المذهب ما يمثله " الكوجيتو " أو الـ " أنا أفكر إذن أنا موجود " لمعتنقي مذهب ديكارت.
وهذا المفهوم للوجود يضعنا أمام قضية أخرى ألا وهي نظرة الوجوديين لكوجيتو ديكارت وكيف اتخذوه أساسا لفلسفتهم ، ولكنهم في الوقت نفسه افترقوا عنه بأن رفضوا الاعتراف بجوهرية النفس ، في حين نجد كوجيتو ديكارت يقر بوجود جوهر في ذاته يعرف بالتفكير الداخلي .
إن الكوجيتو أو الأنا أفكر يقرر مباشرة وعلى نحو ما ذهب ديكارت وجود الأنا أفكر ،ولكنه يقرر أيضا وفي نفس الوقت وجود الأنا أفكر في موضوع. فأسبقية الوعي في فلسفة سارتر لا تتعارض مع وجود الموضوع المستقل، ولكنها بالعكس تؤكد ذلك الوجود. كأن سارتر إذا قد نقل الدليل الأنطولوجي من مجاله في فلسفة ديكارت إلى مجال آخر : فبينما ينتقل ديكارت _بمقتضى الدليل الأنطولوجي_ من الأنا أفكر إلى موجود خارجي كامل لا متناه هو الله، نرى سارتر ينتقل من الأنا أفكر إلى موجود خارجي هو الموضوعات. إن الكوجيتو_في فلسفة سارتر_ يقرر مباشرة مع وجودي، أي مع وجود الأنا أفكر، وجود الموضوع الذي أفكر فيه، بحيث يصبح وجودي أنا الكائن المفكر مختلفا عما أفكر فيه و متميزا عنه، وبحيث يصبح وجود الموضوع الذي أفكر فيه موجودا فحسب لا تمايز بينه و بين ذاته.و يتميز الكوجيتو عند سارتر عنه عند غيره من الفلاسفة. إن الكوجيتو عند ديكارت يدل على جوهر قائم في ذاته يعرف بالتفكير الداخلي. فحين يقول ديكارت : " أنا أفكر إذا أنا موجود " ينتقل بذلك من الأنا أفكر إلى الجوهر المفكر القائم بذاته ويمضي من ثمة إلى دراسة النفس، كما يتضح من التأمل الثاني، دراسة ميتافيزيقية تتناول النفس من حيث هي جوهر. وإذا كان كنط قد رفض جوهرية النفس فانه قد اتخذ من الكوجيتو تعبيرا عن الصورة التي تجمع الظواهر في فكر واحد بعينه يترجم أنا أفكر. وهذه الصورة هي مبدأ متعال وظيفته التفكير، أي إيجاد التوافق بين المقولات الجوفاء وبين الحدوس العمياء. فالأنا عند "كنط" هو مبدأ معرفة لا مبدأ وجود. أما سارتر فيرفض القول بجوهرية النفس كما فعل ديكارت، ويرفض الوقوف عند المظهر الوظيفي للكوجيتو. إنه يرفض ذلك لأن الكوجيتو عنده هو المعرفة الفعلية أي المعرفة كوجود. فليست المعرفة فعلا من أفعال الوعي يتعلق بموضوع، وليست هي شيئا مختلفا عن الوجود، كما هو الأمر في الفلسفة التقليدية لدى المحدثين. وإنما هي فعل الوجود من حيث وعي المعرفة. إن الكوجيتو يقرر الوعي أي الأنا العارف. والوعي عند سارتر هو الوجود بالذات والمظهر الأول للوجود. إنه فعل و ممارسة وشعور فعلي.
إن أسبقية الأنا _في فلسفة سارتر_ هي أسبقية الممارسة، فإن سارتر حين يقرر وجود الأنا يقرر وجودا هو وجود الوعي العارف أو هو ممارسة المعرفة، بحيث يصبح هذا الوجود سابقا على الماهية أو تصبح ممارسة المعرفة سابقة على ظهور طبيعة المعرفة.
وحول مفهوم الوجود من وجهة نظر الوجوديين يورد د.زكريا إبراهيم تعريفا مقتضبا حيث يقول في كتابه- مشكلة الحرية -:" إن نوع الوجود الذي يتمتع به الإنسان ليس هو الوجود بمعنى الكينونة بل هو الوجود بمعنى الصيرورة ، ولكنها صيرورة هي منها بمثابة الخالق ".


ثانيا / الحرية وإرادة الاختيار في الفلسفة الوجودية / أن توجد يعني أن تخلق وجودك الخاص بك :
يمكننا القول أن قوام الفلسفة الوجودية هو الحرية ، ولكنها ليست الحرية العبثية وإنما الحرية المقرونة بروح المسؤولية والالتزام ، لأن سارتر حين يقرر أن الإنسان حر هو يقرر في الوقت ذاته بأنه مسئول عن حريته ، وفي الوقت نفسه فإن هذه الحرية لا تتحقق – كما يرى سارتر – سوى بقدرتها على أن تكون فاعلة ومؤثرة ، وهذا لا يتحقق سوى بأن يمتلك الإنسان إرادة حرة وبالتالي قدرة حرة أيضا على اختيار أفعاله .
يقول سارتر : "للإنسان حرية الفعل ولكن عليه أن يختار طيلة الوقت ، فحتى الامتناع صورة من صور الاختيار ، والإنسان من خلال اختياراته المتعاقبة يلتزم حتما ، وهذا الالتزام يحد من حريته المقبلة ، وفي الوقت نفسه لا توجد معايير مطلقة تملي عليه اختياراته. ففيما يخص الإنسان يسبق الوجود الماهية ولذلك فليس هناك مثل قبلي يقود الإنسان في اختياره ولا سلطة أو قاعدة تفرض عليه سلوكه.
والحرية لا تبين عن نفسها إلا بالعمل، وهي تؤلف وحدة مع العمل، وهي أساس العلاقات والتأثيرات المتبادلة التي تكون مقومات العمل الذاتية. والحرية لا تكتفي أبدا بنفسها، ولكنها تبين عن نفسها فيما تنتجه... وتتمثل في القدرة على الالتزام بالعمل الحاضر لبناء المستقبل، ولا يتحقق المستقبل إلا عن فهم الحاضر وطلب تغييره. وهكذا يتعلم الإنسان طريق حريته عن طريق فهمه للأشياء، ولكنه أبعد ما يكون عن أن يكون شيئاً من الأشياء.

وحينما يقول سارتر إن الإنسان حر فإنه يعني بذلك أن الإنسان قد قذف به إلى هذا العالم، دون أن يكون في وسعه أن يتخلص من هذا الوضع الذي يجد نفسه فيه. فالإنسان قد ترك لنفسه، ووجوده قد أودع بين يديه، وما حريته سوى تلك المقدرة الذاتية على تكوين نفسه واختيار أسلوبه في الحياة وإذن فإن الحياة الإنسانية ليست سوى اختيار للذات، في كل لحظة من لحظات وجودنا. وليس ثمة رجاء في أن يتخلص الإنسان في هذه الضرورة التي قد فرضت عليه فرضا، لأن الإنسان ليس حرا في أن يتخلى عن حريته. وعلى ذلك فإن قولي "أنا موجود" مرادف تماما لقولي "أنا حر" لأن الحرية هي الشعور بالوجود نفسه. حقا أن الإنسان قد يخدع نفسه فيوهم ذاته بأنه أسير للضرورة، وعندئذ نراه يعمد إلى التخلي عن أسلوبه في الحياة، لكي يحيا حياة الأشياء، ولكن الإنسان نفسه في هذه الحالة هو الذي يتخذ لنفسه هذا المسلك، فحريته مسئولة عن ذلك الأسلوب الخاص الذي تخيرته لذاته والذي ارتضت لنفسها أن تعيش وفقا له. وحتى حينما يعمد الإنسان إلى الكف عن كل اختيار، فإنه يحقق لنفسه ضربا من الاختيار، لأن عدم الاختيار هو في حد ذاته نوع من الاختيار. وليس في وسع أحد أن ينهض بممارسة حريتي عوضا عني، بل أنا مسئول عن نفسي، ولا سبيل على التماس أية أعذار للتخلي عن حريتي، لأن تلك الحرية هي وحدها التي تعبر عن وجودي باعتباري كائنا غريبا قد عزل في عالم لا سبيل له إلى أن يتحد به تمام أو أن يندمج فيه اندماجا كليا.
وعن حرية الفرد وعلاقتها بالآخر، يقول سارتر : " والحرية من حيث هي تعريف بالإنسان لا تتوقف على حرية الآخرين، ولكني عندما ألتزم، أطلبها لنفسي كما أطلبها للآخرين، وأجعلها غايتي، وأدمج في تلك الغاية حرية الآخرين. ومن ثم فأنا عندما أعترف، عن حق، بأن الإنسان هو الكائن الذي يسبق وجوده ماهيته، وأنه لذلك حر، ولا يستطيع إلا أن يريد حريته في مختلف الظروف، ومن ثم فلا يستطيع إلا أن يريد حرية الآخرين، فإنني باسم إرادة الحرية، التي هي جزء من الحرية ذاتها، أستطيع تكوين أحكام أصدرها على كل من تحدثه نفسه على أن يتخلى عن مسئولية وجوده وطمس معالم حريته. "
وهذا القول ينفي عن الوجوديين تهمة الذاتية التي يلصقها البعض بالمذهب الوجودي ، فالوجودية لا تتحقق سوى بوجود الآخر ؛ حيث أن وجود الآخر– كما يقول سارتر –، وجود محقق أمام وجودنا ، فهو كوجودنا ، فالآخر ليس فقط شرطا لوجودي ، بل هو شرط المعرفة التي أكونها عن ذاتي .

ثالثا / الآخر هو الجحيم :
ليس من الممكن فيما يرى سارتر أن تقوم علاقة جوهرية فيما بين الذوات، لأن كل ذات إنما تنزع نحو اعتبار غيرها من الذوات مجرد "موضوعات" واستخدامها كمجرد أدوات لتحقيق غاياتها الفردية. وعبثاً يتحدث الفلاسفة والشعراء عن "الحب" و "التعاطف" و"المشاركة الوجدانية"، فإن الذات لا يمكن أن تنفذ إلى باطن غيرها من الذوات، اللهم إلا إذا أحلناها إلى مجرد "موضوعات". إن الحب في صميمه هو مجرد سعي نحو امتلاك حرية "الآخر".و يخلص سارتر إلى القول بأنه لا موضع للحديث عن محبة أو مشاركة أو تآزر بين الذوات، لأن حضور الذات أمام الغير هو بمثابة سقوط أصلي، ولأن الخطيئة الأولى إن هي إلا ظهوري في عالم وجد فيه الآخرون.
إن "الذات" ليست في - نظر الوجودية – أن يحيا الفرد وحيدا بل إنه مفتوح على الآخرين ومن هنا نجد الوجوديين يهتمون بمشكلة" الوجود مع الآخر" والاتصال بالآخر ، أو ما يعرف " بالوجود للغير " وهو ما اصطلح عليه سارتر بمصطلح " الآخرون هم الجحيم ".

رابعا / الوجود في ذاته، والوجود لذاته " الوعي " لدى سارتر :
لقد وقفت الوجودية موقفا مخالفا لما تبناه التيار الفكري امتدادا من ديكارت وحتى هيجل الذي وقف عاجزا عن تفسير "الشيء في ذاته " ، مقرا بأن الموجود في ذاته لا يمكن ادراكه بالعقل " كما في فلسفة كانط " ، في حين نجد أن الوجوديين يرون بأن العالم يمكن تفسيره من خلال سلسلة الظواهر التي يتجلى من خلالها . كما أشار إلى ذلك سارتر في كتابه الوجود والعدم حيث قال : " إن كينونة أي موجود هي بالتحديد ما يظهر به إلى ذلك الوجود " .وهنا يوضح سارتر من خلال فلسفته الفرق بين مفهومي " الوجود في ذاته " و"الوجود لذاته " .
إن هناك شيئا مستقلا عن الفكر وهذا الشيء يسميه سارتر " الموجود في ذاته".وللوهلة الأولى يكون " الشيء في ذاته " ملأ الكينونة فهو " كتلة " لا فراغ فيها وبالتالي " معتم " لنفسه أي "معدوم الوعي في ذاته " أي مطابق لذاته " . كذلك " فالشيء في ذاته " ليس كالكائن الواعي الذي يستطيع هو أن يكون مالا يكون وألا يكون ما يكونه ، فالشيء في ذاته هو ما هو لا غير ، لكنه بلا معنى إلا بتعرف "الوعي" عليه، وهكذا فإن العالم يتحقق من خلال الوعي ويكتسب معقوليته من خلال " الأنا " ويصبح مكونه الأساسي هو " الموجود لذاته " وليس " الموجود في ذاته ". وتقول رفيقة حياة سارتر ، سيمون دي بوفوار في فقرة جميلة من روايتها الأولى " الضيفة " ما معناه أن حضورنا للعالم يوقظ ذلك العالم من نومه . وكما رأينا فإن أحد المبادئ الأساسية للفلسفة الوجودية هو أن العالم الصلد العبثي لا يكتسب معنى ووجودا أصيلا سوى بإدراك الوعي الإنساني له. و " ما هو لذاته " يبعث الحياة " فيما هو في ذاته " ويلي ذلك أن العالم ليس متجانسا تجانسا صارما ، فيدركه كل فرد و يفسر ظواهره بطريقته الخاصة : والحاصل اللغوي لهذا الموقف الفلسفي الذي يعتنق النسبية هو الأسلوب الحر غير المباشر ، أي أن الأشياء و الأحداث تعرض لا كما هي في الأصل ولكن بأسلوب علم الظواهر " الفينومنولوجبا " أي كما يعيها إدراك فردي خاص . ويقول "البير يس" عن حق على سارتر ، " إن ما هو عند كاتب آخر مجرد سرد موضوعي يتخذ عند سارتر شكل تذوق منفرد يتفاوت بحسب إدراك البشر الذين يعيش كل منهم تجربته .
الوجود إذن عند سارتر يتضمن وجودين :الوجود لذاته وهو الوعي ، والوجود في ذاته وهو الموضوع الخارجي المعطي . والعلاقة بين هذه الوجودين هي علاقة انفصال واتصال في آن واحد . فالوعي في إدراكه للموضوع متمايز عنه ، ولكنه ليس منفصلاً عنه إذ هو – أي الموضوع – يقع في مجال الإدراك . وهذه الظاهرة يسميها سارتر ( سلبية الإنسان ) فأقول مثلا ( إنني أري حجرا ، ولكني لست أنا هذا الحجر ) .
وهكذا يقرر سارتر أن الإنسان ثغرة في الوجود أو تصدع في حائط الوجود العام ، لأنه هو الذي يسبب انعدام التجانس في نسيج الكون ، فلو تصورنا الوجود في جملته كثمرة ، لكان الإنسان بمثابة الدودة التي تنخر جوف تلك الثمرة . ولكن لا يجب أن ننسى أن الإنسان دودة لا تملك إلا أن تكون دودة ، بل لا تستطيع في واقع الأمر سوى أن تتقبل وجودها كدودة .
خامسا / لا وجود لما يسمى طبيعة بشرية :
ينفي سارتر أن يكون هناك وجودا لما يعرف بالطبيعة البشرية أو " الفطرة " وذلك استنادا إلى أن الانسان يوجد ثم يقرر هو وجوده بنفسه ؛ يقول سارتر في كتابه ، الوجودية مذهب إنساني : " لا توجد طبيعة إنسانية، وهذا يعني أن كل عصر يتطور طبقا لقوانين ديالكتيكية، وأن البشر يستندون في تكوينهم إلى العصر الذي يتواجدون فيه لا إلى الطبيعة الإنسانية.
ويقول أيضا : " لا يوجد ما هو أكثر بطلانا من أمثلة كهذه: "الذي لا خير فيه للناس"، أو "إن أنت أكرمت اللئيم تمردا"، أو "الكبر على أهل الكبر صدقة .ليس أكثر من هذه الأمثلة الشائعة، والتي تتفق جميعا على دعوتنا إلى شيء واحد: أن لا نعارض السلطة القائمة، ولا نقاوم من هم أقوى منا، ولا نتدخل فيما لا يعنينا وما ليس من اختصاصنا: أو أن كل ما لا يتفق مع التقاليد بدعة، وكل ما لم تثبته التجربة مآله الفشل، وأنا التجربة قد دللت على أن البشر ميالون بطبعهم إلى فعل البشر، ومن ثم فلا بد أن تكون هناك قواعد ثابتة صارمة لمنعهم من إتيانه والحيلولة بينهم وبينه، وإلا سادت الفوضى وتاهت الأصول".
وأخيرا / الوجودية ليست إلحادا بالله :
يوضح سارتر هذا المفهوم في كتابه " الوجودية مذهب إنساني " ، فيقول : " إن ما يوجه إلينا من اعتراضات ليس حقا. فالوجودية ليست إلحادا بمعنى استنفادها لنفسها في استعراض من أوجه عدم وجود الله، وهي تعلن أنه حتى لو كان الله موجودا فالنتيجة بالنسبة لها سواء. وليس المهم أننا لا نؤمن بوجود الله، ولكن المهم بالنسبة لنا، أو ما نظنه المشكلة الحقيقية، ليس مشكلة وجوده، بل المهم هو أن الإنسان محتاج لأن يجد نفسه من جديد، ولأن يفهم أن لا شيء يمكن أن ينقذه من نفسه، ولا لو برهن على أن الله موجود."

(4)الفلسفة الوجودية بين نقدها للماركسية ، معاداتها للمثالية ، وافتراقها عن ظاهرية هوسرل :
يميل الفيلسوف الوجودي إلى إهمال جميع مشكلات الفلسفة الكلاسيكية, كالمنطق ومشكلة المعرفة, فالتفلسف الوجودي يتعارض مع المفاهيم والأساليب التقليدية للفلسفة, كما تبدو سواء عند أفلاطون و أرسطو أو لدى اسبينوزا, أو لدى هيغل, بل إنه يتعارض في الواقع مع كل التقاليد المألوفة لدى الفلاسفة الكلاسيكيين منذ أفلاطون. إن الذي يعني الفيلسوف الوجودي أولاً هو الوجود العيني المعاش للإنسان بدلاً من تلك المشكلات النظرية المجردة, إنها مشكلات الحرية والمسئولية, واليأس, القلق والاغتراب, والموت, والانتحار, العبث والجدوى, واللامعقول, التي هي معضلات وجودية, لأنها تشكل جوهر الوجود الإنساني, بوصفه ذاتاً فاعلة.
ولم تقف الوجودية عن حد معارضتها للفلسفة المثالية التي حكمت القرن التاسع عشر ، بل تعدت ذلك إلى وقوفها موقفا ناقدا للفلسفة الماركسية رغم تقاطعها معها في كثير من المحاور حول الالتزام والحرية ، ويتمثل نقدها للماركسية بأنها سلبت الانسان إرادته الحرة باعتباره انعكاسا للعوامل المادية، وبالتالي تتلاشى الإرادة الذاتية في وجه المادة وفي نفس الوقت تطالب الماركسية من هذه الإرادة أن تقف فاعلة وأن تقوم بالتغيير .
يرى الوجوديون أن الماديين ألغوا ذاتية الفرد –وهو وحدة الإصلاح ومدار الوعي- كما ألغى المثاليون الواقع فيما له من كثافة وقوة ومقاومة تستعصي على مجرد التفكير. والخطر في الاتجاه الأول أن يصير الفرد آلة مسخرة لا وعي لها، والخطر في الاتجاه الثاني أن يصير الأدب كلاماً لا يمس الواقع إلا مساً خفيفاً كما تمر النسائم على صفات الورود فلا ينال من الواقع ولا يسهم في المجتمع وإصلاحه بشيء. ويرى الوجوديون، لذلك، أن "الواقع أقصى ما يكون، ومقاومة الواقع أشد ما تكون، إنما يتحققان إذا اعتدنا بأن الإنسان ليس إنساناً إلا بموقفه الخاص الذي يتحدد به معناه الإنسان في عصره، وأنه لذلك يجب أن يسلك سبيل التلمذة للواقع، وهي سبيل وعرة المسلك، وذلك ليحدد معنى ذات نفسه، ويحقق هذا المعنى في علاقته بذلك الواقع". ولهذا كان أدبهم هو أدب المواقف .
يرى الوجوديون أن الواقعيين الاشتراكيين ناقضوا أنفسهم إذ قرروا أن الفكر انعكاس للمادة، وذلك في قولهم إن البنية العليا في المجتمع وليدة البنية الدنيا فيه ،ووجه التناقض أنهم بذلك قرروا أن الذات انعكاس للنشاط المادي والاقتصادي، فهي "موضوعية" مطلقة، فكأنهم ألغوا الذات انعكاساً، فصفتها سلبية، وهي شيء من الأشياء، في عالم هي فيه الموضوعية – أن تلغي نفسها، لتصير موضوعية، ففي الحالة الأولى كانت الذات انعكاسا، فصفتها سلبية، وهي شيء من الأشياء، في عالم هي فيه محكومة بعوامل مادية. فكيف بعد ذلك يطلبون من نفس الذات أن تصدر حكماً على قيم مطلقة نتيجة لأحكام عقلية، على حين يستلزم صدور هذا الحكم عن الذات استقلالها في نشاطها عن المادة؟!!!، والقدر المسلم به هو أن للحاجات المادية والاقتصادية تأثيراً في الفكر، ولكنهم تطرفوا في الزعم بأن الفكر مجرد انعكاس، مقابل تطرف هيجل في مثاليته في استقلال الفكر.
والحرية الفكرية تستلزم استقلالا عن المادة، على الرغم من تأثرها بها، ومدار الأمر –عند الوجوديين- على الوعي الفردي ومراجعته الدائبة لمبادئه مراجعة يترتب عليها منح الأشياء فيها خاصة. ونفس مبدأ القيمة يستلزم الاستقلال عن المادة. فالماديون يهبون المادة الحرية على حين الحرية في الفرد. ويرى الوجوديون أن فلسفة الأدب تستلزم من المرء أن يحرص على قيم يحققها في المستقبل، ويتجاوزها دائماً متى تحققت. وهو لا يعي هذه القيم إلا إذا كان منغمراً وسط مجتمع هو فيه بين طبقته أو فئته مضطهد، ولكنه في الوقت نفسه قادر على مجاوزة موقفه لتغييره، بجهوده في أمته أو طبقته أو فئته، ولا يكون ذلك إلا عن وعي بحريته، على أنه لا يكون ثائراً حق الثورة إلا في جهوده الإنسانية المشتركة مع نظرائه من أمته أو طبقته، وإلا كان متمرداً. وليس الغرض من الوعي بالحرية مجرد استقلال الفكر دون قصد إلى تغيير الموقف، وإلا كانت حرية سلبية ذاتية.
فالوجوديون يقصدون إلى استقلال الفكر وصدوره عن حرية إيجابية يقصد فيها إلى تغيير الموقف عن طريق الوعي بالقيم. ومدار هذا الوعي حرية الفرد، وهي حرية يقف فيها بنفسه على المواقف التي تتوافر فيها القيم، فلا يكون خدعة لغيره باسم المبادئ التي تنادي بها طبقته أو فئته. فالوعي الفردي، واشتراك الفرد فيه مع الآخرين، هما الأمران اللذان يكتسب بهما الموقف الإنساني كل ما له من قيمة. والوجوديون –على النقيض من الفلسفة المثالية- يقررون سلطان "الحقيقة المادية الساحق" على الفكر، وهم في هذا يتفقون إلى حد كبير مع الماركسيين، ولكنهم يختلفون عنهم –في الأساس الفلسفي لذلك المبدأ- اختلافاً جوهرياً.فالوجوديون ذاتيون، ومعنى ذلك –عندهم- أن القيمة كلها هي لذات الإنسان الموجودة. فليس الفرد في تفكيره انعكاسا للمادة، على الرغم من أن تفكيره مصدره الموجودات، إذ المادة في كل حالاتها محكومة لا حاكمة.
وعن ظاهرية هوسرل ، فنجد أن الوجودية اتخذت منها منهجا في دراسة الوجود ووعيه إلا أن الوجوديون لم يتخذوا هذا المذهب على علاته بل وقفوا منه موقفا نقديا بنفس نقدهم لمثالية كانط التي وقفت عاجزة عن تفسير الشيء في ذاته ،كذلك نقدهم لمثالية هيجل في حديثه عن فكرة المطلق؛ فعلى الرغم من استرشاد سارتر بمنهج هوسرل الظاهري واتفاق الوجوديون والظاهريون حول أن لا وجود لشيء وراء ما هو ظاهر حيث يرفضون أن يكون الظاهر تجل للنومن وبالتالي فلا وجود لديهم لتلك الروح القابعة خلف الظواهر والتي أقر بها كل من كانط وهيغل ؛ إلا أن سارتر يركز على الوجود أكثر من تركيزه على الماهية ، بل إنه يعتبر أن الوجود سابق للماهية _ كما تبين لنا من فلسفته _ ، في حين أن هوسرل يولي أهمية للماهية على الوجود .
يتخذ معظم الوجوديين من الفينومينولوجيا ( الظاهريات) منهجاً لمقاربة الواقع, معايشته وفهمه ، رغم أن هناك كثيرين من أتباع المذهب الفينومينولوجي ليسوا وجوديين, إذ أن الأخير, بالنسبة للفيلسوف الوجودي, لا يعدو أن يكون سوى منهجاً للبحث في الوجود البشري. ولهذا المفهوم (المصطلح) تاريخ طويل سبق وأن استخدمه الفيلسوف الألماني كانط ليعني به دراسة الظواهر, أو الظاهر Phenomenology في مقابل "الشيء في ذاته" Noumenon الذي افترض أنه يكمن خلف الظواهر. كما استخدمه الألماني فريدريك هيغل في كتابه الشهير" ظاهريات الروح Phenomenology Of Mindلوصف مسار الروح ونشاطه وتجلياته في المنطق والطبيعة والتاريخ. وأخيراً أصبح هذا المفهوم يشير إلى فلسفة محددة تنتسب إلى أدموند هوسرل الذي حاول أن يضع منهجاً وصفياً للماهيات الخالصة في تظاهراتها على نحو ما تبدو للوعي, بعيداً عن الاستدلال أو الأحكام المسبقة والتفسير بغرض الوصول إلى معرفة خالصة ودقيقة. وقد أثرت فلسفة هوسرل تأثيراً مباشراً على الفلاسفة الوجوديين وطريقة تفكيرهم .وهناك اختلافات هامة تميز الفينومينولوجيا الوجودية عن فينومينولوجيا هوسرل , ففي الوقت الذي يؤكد فيه هوسرل أهمية الماهيةEssence نجد الوجوديين يؤكدون على أهمية الوجود الإنساني العيني Existence السابق على كل ماهية. من ناحية أخرى يتفق الوجوديون مع هوسرل في استحالة التدليل على ما يسمى" الشيء في ذاته" من وراء الظاهرة. فهم يرفضون الثنائية الكانطية التي تفترض التضاد بين الظاهر والنومن " الشيء في ذاته" القابع والمختبئ بحيث لا يعدو الظاهر أن يكون سوى تجلّ له, لا يمكن الوصول إليه. وهم كذلك لا يعبأون بمحاولة هيغل أن يبين كيف تتكشف الظاهرة جدلياً, كما كانوا أقل اكتراثاً بالروح القابعة خلف الظواهر. لقد اتفقوا مع هوسرل على أن يكتفوا بوصف الظاهرة على نحو ما تظهر نفسها, والمهم في ذلك أن نقدم وصفاً دقيقاً عنها. وهكذا تبدو الفلسفة الوجودية – وكأنها خرجت من معطف الاتجاهين الكبيرين اللذين قاما بقطع الصلات مع الفكر السائد في القرن التاسع عشر, وهما فلسفة هوسرل الفينومينولوجية, وفلسفة الحياة ومذهبها في الفعل والنشاط ونقدها للعقل .
ويناقش سارتر المعاني الأساسية في ظاهريات هسرل: الرد الظاهرياتي، وينتهي إلى تقرير أن هسرل لم يدفع بالرد الظاهرياتي إلى مدى كافٍ، وأنه بقوله بالهوية بين الأنا وبين الشعور المحض إنما وصل إلى خليط من العناصر المتباينة تباينا أصليا. ذلك أن الذات ليست كالشعور المحض الذي يستنفذ نفسه في العيان المباشر، بل هي تعلو على الشعور وتكوّن جزءاً من العالم، ذلك أن سارتر، في الوقت الذي كان متأثرا فيه كل التأثر بهسرل، كان أيضا خاضعا لتأثير هيدجر. ومن هنا نجده يكمل قصدية هسرل بالوجود _ في العالم عند هيدجر. فبعد أن يورد عبارة هسرل المشهورة: " كل شعور هو شعور بشيء ما" يقول إن " فلسفة العلوّ تلقي بنا على قارعة الطريق، وسط التهديدات تحت ضوء يعمي الأبصار، أن يوجد، هكذا يقول هيدجر، هو أن يوجد _ في العالم: وعليك ان تفهم هذا "الوجود _ في..." بمعنى الحركة. أن يوجد هو أن ينفجر في العالم، هو أن يبدأ من عدم عالم وشعور، ابتغاء أن ينفجر شعوراً _ في العالم إن الشعور متى ما حاول أن يستجمع نفسه وأن يتطابق في النهاية مع نفسه. . . فإنه يعدم نفسه. وهذه الضرورة للشعور أن ينفجر كشعور بشيء آخر غير ذاته، هو ما يسميه هسرل باسم " القصدية ".
إن سارتر يبدأ _مثل التصورية_ من الأنا أو من الوعي ، ولكنه لا يقف عند الأنا أو الوعي كما تفعل التصورية، وإنما هو يتابع الكوجيتو بتأويله الفينومولوجي وبالتحرر من هوسرل ويقرر للموضوعات وجودا قائما بذاته مستقلا عن الوعي. وتحرر سارتر من هوسرل و انزلاقه إلى الموقف الوجودي لم يكن فحسب عن طريق تأثر سارتر المباشر بفلسفة هيدجر، وإنما كان كذلك و بنوع خاص عن طريق الحدس الأصيل لسارتر : حدس الوجود _ في _ ذاته الذي يفترض الوعي أو الذي ينزلق إليه الكوجيتو.












الفصل الثاني :
(1) بين الفلسفة والأدب :
إن حديثنا عن الفلسفة في الفصل السابق ، ما كان سوى تأسيسا لإيضاح العلاقة بين الفلسفة والأدب ، باعتبارهما تياران فكريان لا يمكننا عزل أحدهما عن الآخر ، فالفلسفة والأدب كلاهما يهدف إلى البحث عن الحقيقة وكلاهما يتخذ من الإنسان محورا له ، وإن كانت الفلسفة قديما محورها الرئيسي هو الطبيعة ، إلا أننا نجد اليوم بأن الفلسفة الحديثة كان محور اهتمامها الرئيسي هو الإنسان ،وجوده ،مصيره ، وحريته في هذا العالم ، كما سيتضح لدينا في الأدب الوجودي .والعلاقة بين الفلسفة والأدب ليست علاقة تزامنت مع تيارات الفلسفة الحديثة فحسب بل نلتمس تلك العلاقة منذ عصر الفلسفة الإغريقية ، تلك العلاقة بدأت منذ ذلك الحين وتطورت مع مرور الزمن بظهور العديد من الفلاسفة الأدباء أو الأدباء الفلاسفة .
إن الصلة بين الفلسفة والأدب أو بين الميتافيزيقيا والشعر ، كانت وثيقة جدا في الفلسفة اليونانية القديمة ، ولعل من هذا القبيل مثلا ما رواه بعض مؤرخي الفلسفة عن السوفسطائيين من أنهم كان يستشهدون بهوميروس، ويلتمسون في أشعاره تأييدا لمذهبهم في التغير الدائم للأشياء. ولم يكن الفلاسفة السابقون عليهم بأقل اهتماما منهم بالشعر، فقد كان معظم الفلاسفة الطبيعيين الأولين شعراء أو أنصاف شعراء. ونحن نعرف كيف أن انكسمندريس قد صاغ معظم آرائه الفلسفية في عبارات شبه شعرية، كما أننا نعرف أيضا كيف أن برمنيدس زعيم قد نظم قصيدة طويلة رائعة أودعها خلاصة تفكيرها الميتافيزيقي .و أفلاطون هو الذي مزج الشعر بالفلسفة إلى أعلى درجة، فضلا عن أن الأفلاطونية هي التي سمحت للكثير من الشعراء –خلال العصور التاريخية المتعاقبة- بأن يجدوا منفذا إلى الميتافيزيقا. وأما في العصور الوسطى، فإننا نجد لدى فلاسفة الإسلام اهتماما كبيرا بالتعبير عن أعمق المعاني الفلسفية في أساليب شعرية أو صياغات رمزية ... إلخ ، ومن هذا القبيل ما فعله الفيلسوف الأندلسي المشهور ابن طفيل في روايته "حي بن يقظان". كذلك وجد بين مفكري الإسلام فلاسفة أدباء كأبي حيان التوحيدي الذي وصفه ياقوت في "معجم الأدباء" بأنه "فيلسوف الأدباء، وأديب الفلاسفة".
وأما في العصور الحديثة: فقد كان ديكارت نفسه أول من نفذ بالفلسفة على عالم الأدب، إ ذا انصرف عن كتابة الفلسفة باللغة اللاتينية المدرسية، مستعملا في بعض مؤلفاته لغة أخرى يفهمها عامة الشعب، ألا وهي اللغة الفرنسية. ومنذ ذلك الحين، أخذت الفلسفة تنزل على الميدان الأدبي، ولم يعد الفلاسفة مجرد أساتذة مدرسين، بل صاروا يحرصون على صياغة مؤلفاتهم بصورة فنية.
(2) تجليات الفلسفة الوجودية في أعمال جان بول سارتر :
أولا / مسرحية الذباب :
لقد جاء سارتر فلم يشأ لشخصياته الروائية أن تظل بمثابة مخلوقات سلبية يدرسها النقاد ويحللون سماتها ويفسرون تصرفاتها، بل قدم لنا روايات فلسفية تضطلع فيها الشخصيات الروائية نفسها بمهمة تفسير المعنى التصوري الذي تحمله. فالشخصيات الروائية عند سارتر تقول هي نفسها كل ما يراد لها أن تقوله، وكل ما يمكن أن يقوله عنها الآخرون! ومعنى هذا أنها لم تعد بمثابة موضوعات دراسة ينثرها الروائي هنا وهنالك، وإنما هي قد أصبحت بمثابة شخصيات واعية تفهم ذاتها وتنقد سلوكها وتلق على تصرفاتها. وهكذا قد يكون في وسعنا أن نقول إن الرواية الفلسفية لم تعد تنتظر من النقاد أن يتعرفوا على شخصياتها أو أن يدرجوها تحت بعض الأنماط الشخصية العامة، بل هي قد أصبحت تقوم بهذه المهمة لحسابها الخاص، دون أن تنتظر من أي ناقد فني أن يجيء فيتأولها أو يفسرها أو يضطلع بشرحها!.
يدور موضوع مسرحية الذباب حول الأسطورة اليونانية القديمة " الكترا -سوفوكليس " ورغبة الكترا في الانتقام لوالدها المغدور " أغاممنون " من قبل أمها " كليمسترا " وعشيقها " إيجست " ذلك الانتقام الذي لم تستطع هي القيام به بمفردها فظلت تنتظر أخاها " أورست " _ بطل المسرحية _ كي يأخذ لها بثأر أبيهما وينتقم من أمهما التي غدرته وتزوجت إيجست بعدما اتفقت معه على قتل " أغاممنون " .و سارتر يحاول أن يلبس المسرحية ثوب فلسفته الوجودية _ وأظنني أنه وفق في ذلك المقصد _ ، فالذباب عكست عدة مبادىء للفلسفة الوجودية وجاءت مصداقا لها ؛ ومن أبرز تلك المبادىء :
الإرادة الحرة – متمثلة في شخص أورست حيث اتضحت إرادة أورست الحرة وعزيمته القوية في موقفين ، الأول هو إقدامه على قتل أمه وزوجها ، والثاني هو صموده بعد جريمة القتل وتحمله لمسؤولية هذه الجريمة ، بعكس الكترا التي أخذ الندم يعذبها ويثني من عزيمتها في تحمل مسؤلية قرار لطالما حلمت في تحقيقيه وشجعت أخاها على تنفيذه ، وتنعكس هذه الارادة الحرة من خلال رد أورست على الإله جوبيتر الذي أثقل كاهل الكترا بالندم والتحسر وحاول أن يسلبها إرادتها الحرة :
يرد أورست على الكترا المترددة النادمة _بعد قيامه بالقتل_، وفي رده هذا تتجلى أبرز سمة من سمات الوجودية ألا وهي الحرية والالتزام ، فحرية أورست تفرض عليه أن يتحمل مسؤولية فعلته وألا يندم عما قام به هو بفعله وبمحض إرادته الحرة ،ويظهر بالمقابل الإرادة المسلوبة لدى أخته الكترا :
إن أجبن المقاتلين هو الذي يعاني الندم...
أورست : لقد قررنا هذا القتل معا ، ويجب أن نتحمل نتائجه معا .
أورست : إنني حر... نعم إنني رغم هذا التمزق ، وهذه الذكريات حر ، ومنسجم مع نفسي .. الكترا ..يجب ألا تحقدي على نفسك ! أعطيني يدك يا الكترا .. إنني لن أتركك !
أورست : ولكن آلامها صادرة عنها ، وهي وحدها التي تستطيع أن تتخلص منها .. إنها حرة
أورست : من يستطيع أن يعرف ما أردته غيرك أنت ؟ فهل تراك تتركين أحدا آخر يقرر ذلك ؟
أورست : إن أجبن المقاتلين هو الذي يعاني الندم . / واصفا بذلك أخته الكترا
أورست : إن الجريمة التي لا يستطيع مرتكبها أن يتحملها ، ليست جريمة أحد . أليس كذلك؟

وتظهر تلك الإرادة الحرة كذلك في رده على الإله جوبيتر الذي حاول ثني عزيمته وسلبه إرادته وذلك من خلال دب الخوف والقلق في نفسه ، إلا أن أورست يظل متحليا بإرادته الحرة فيقول : أورست : أنا لست مذنبا ، ولن تستطيع أن تحملني على التفكير عما لا أعترف به جرما ! ص
أورست : فإنني لست نادما على شئ .
أورست : إن عالمك هذا كله ، لن يكفى لتخطئي .. أنت ملك الآلهة يا جوبيتر ، ملك الصخور والنجوم ، ملك أمواج البحر ؛ ولكنك لست ملك البشر .
أورست : أنت ؛ ولكن ما كان ينبغي لك أن تخلقني حرا !

أن توجد يعني أن تخلق وجودك الخاص بك :

أورست : أنا محكوم على بألا تكون لي شريعة أخرى غير شريعتي .. لا أستطيع أن أتبع إلا دربي .. ذلك أني إنسان يا جوبيتر ، وعلى كل إنسان أن يخترع دربه .

أورست : ما شأني بك ؟ إننا ننساب أحدنا بموازاة الآخر ، من غير أن نتماس ، كسفينتين ، إنك رب ، وأنا حر ، فنحن متشابهان في الوحدة ، وضيقنا متشابه من ذا الذي قال لك إنني أبحث عن الندم ، في أثناء هذه الليلة الطويلة ؟ الندم . الندم . ولكني لا أستطيع بعد أن أعاني الندم ، ولا أن أنام .
محاولة لسلب الإرادة الذاتية من خلال السلطة القمعية " الأقوى " :
كليتمنسترا: إذا لم تظهري في الاحتفال بإرادتك ، فقد أعطى الملك أوامر بأن تقادي قسرا !

ليس هناك قيم ثابتة تحكم الإنسان ، أي أنه ليس هناك مثل قبلي يلزم الإنسان بالسير على نهجه ، وإنما الإنسان هو من يخلق قيمه الإنسانية بخيرها وشرها :
اورست : إن العدالة هي قضية بشرية ، ولست بحاجة إلى إله ليعلمني إياها . إن من العدل أن أسحقك أيها الفاجر القذر . وأن أهدم مملكتك على سكان أرجوس . ومن العدل أن أرد لهم شعورهم بالكرامة . – أورست في رده على إيجست قبل أن يشرع بقتله _ .
الحرية شيء مفروض على البشر فليس لهم الا أن يكونوا أحرار وحينها لن يستطيع أحد ثنيهم عن حريتهم ومن لا يملك تلك الحرية يعيش بلا أن يشعر بوجوده :
جوبيتر : إن البشر أحرار . أنت تعرف ذلك وهم لا يعرفونه .
إيجست : لو كانوا يعرفونه لأحرقوا القصر من أركانه الأربعة . وها قد مضت خمسة عشر عاما وأنا أمثل ، لأقنع عنهم قدرتهم .
إيجست : ولكن من حكم علينا ؟
جوبيتر : لا أحد إلا أنفسنا ؛ ذلك أننا نملك الهوس نفسه . إنك تحب النظام ، يا إيجست . جوبيتر : ولدت أنت لتكون ملكا .
جوبيتر : إن اورست يعلم انه حر !
إيجست : إن رجلا حرا في المدينة ، هو أشبه بعنزة جرباء في قطيع .
جوبيتر : حين تنفجر الحرية يوما في قلب إنسان فإن الآلهة لا يملكون إلا العجز تجاه هذا الإنسان . ذلك أنها قضية بشر ، ويجب على البشر الآخرين ـــ عليهم وحدهم ـــ أن يتركوه يجرى ، أو أن يخنقوه !
إن مسرحية الذباب في مجملها ، وبعد إيرادنا لبعض مقاطعها ، تعكس عدة أسس للفلسفة الوجودية ، أبرزها كما ذكرنا قضية الحرية والإرادة الحرة ، أضف إلى أن النص بمجمله يعكس قضية تعذيب الشعب بخرافات غيبية ، مثلما فعل " إيجست " مع أهل قرية " أراغوس " ، حيث أعاشهم في ندم وألبسهم السواد طوال خمسة عشر عاما ، وذلك بعد قيامه بقتل أغاممنون ، وهذا يعكس أمامنا أيضا إرادة الإنسان المسلوبة متمثلة بأهل " أراغوس " ، الذين سلموا لقرارات " إيجست " دونما أدنى تفكير أو مقاومة لتلك الخرافات التي أعاش الشعب على أوهامها طوال خمسة عشر عاما من الندم والحسرة على شيء هم لم يرتكبوه ، مقابل إرادة "أورست " الحرة المتمردة .
ثانيا / مسرحية ( جلسة سرية ) :
إن مسرحية سارتر المسماة " لا مخرج " أو " الجلسة السرية " أو " الأبواب الموصدة " أو "الدائرة المفرغة " ، تعرض لنا حياة الجحيم لثلاثة أشخاص وقد قضى عليهم أن يعيشوا فيه معا إلي الأبد : جارسان وهو صحفي فرنسي فر من أداء واجبه العسكري فحكم علية الإعدام رميا بالرصاص ،وامرأتان هما اينيز وهي كاتبة حسابات في إدارة البريد ماتت مختنقة بالغاز ،واستيل وهي سيدة جميلة من سيدات المجتمع وقد ماتت بالالتهاب الرئوي .
المسرحية تمثل تعرية لا رحمة فيها لهذه الطبقات من الكذب والتمويه على الآخرين . عقاب الشخصيات هنا معنوي صرف فليس في جحيم سارتر نيران ولا أدوات تعذيب ولا شياطين وإنما هو ندم صرف يقتات على الذات بلا نهاية وشعور بالخزي من كل ما كانه المرء وصنعه ، وتوق لا أمل به إلى افتداء الماضي ، وهيهات أن يكون ذلك، لان فرصة الإنسان الوحيد إنما هي على هذه الأرض في لحظة زمنية بعينها وليس في حياة أخرى بعد الموت . إضافة إلى ذلك تعكس المسرحية بوضوح أساس من أسس الفلسفة الوجودية ألا وهو " الآخر هو الجحيم " ، حيث تعكس عذاب الشخصيات الثلاث نتيجة لوجودهم في مكان واحد ، حيث نجد أن كلا منهم يعرقل حرية الآخر وهم في تلك الغرفة الكئيبة في جحيم الآخرة .
الواقع أن جحيم سارتر هو عالم الغير الذي لا مخرج منه، ولا طائل تحته، ولا فائدة فيه . . . إنه عالم يحيا فيه الآخرون، دون أن يكون ثمة سبيل إلى تحقيق أي اتصال حقيقي أو مشاركة فعالة بيت الذوات في صميم هذا العالم المشترك! وقد تستبد بك العاطفة أو يجمح بك الهوى في هذا العالم العجيب، ولكنك لن تجد السبيل لتحقيق غايتك وإشباع حاجتك! وقد تهم بقتل ذلك الآخر الذي تضيق به ذرعاً ولكن هيهات لك أن تتخلص منه حتى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بحث وجودية عند سارتر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى نجوم الضّاد :: منتدى التعليم الثانوي :: سنة ثانية ثانوي-
انتقل الى: