عريضة تدعو للسلم للسنة الاولى متوسط
يكاد أن يكون العالم اليوم في أمس الحاجة من أي فترة أو حقبة تاريخية مر بها إلى ثقافة السلم والسلام سواء على مستوى الفكر والتصور أو على مستوى الواقع والسلوك والتطبيق ثم إن لفظ (الإسلام) مأخوذ من مادة السلم والسلام، وذلك كتناسب الحكم والموضوع، لأن السلام والإسلام يلتقيان في توفير الطمأنينة والأمن والسكينة والتقدم، كما قال سبحانه: (الّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ) كما إن الإسلام جعل (السلام) شعاراً لـه واختاره تحية للمسلمين، حيث إن المسلم إذا التقى بمسلم قال: (سلام عليكم) و السؤال الذى يتبادر الى كل شخص يعيش فى هذا الكون وهو لماذا تنعم بعض الشعوب بالاستقرار والسلم الاهلى وتتجه الى بناء مستقبلها وصنع تقدمها, بينما تعانى شعوب اخرى ويلات الحروب الاهلية ومرارة الفتن والصراعات لتجنى بذلك ضعفها وتخلفها وسوء واقعها؟ ولو نظرنا الى اى مجتمع مستقر, السلم والحوار والتسامح سمة وصفة من صفاته لوجدنا ان هناك عوامل توفرت ومقومات أدت الى ذلك السلم من سلطة وعدالة واحترام لحقوق الناس ومصالحهم, ولو نظرنا أيضا الى اى مجتمع يعانى من ويلات الحرب الاهلية ومرارة الفتن والصراعات لوجدنا ان هناك عوامل توفرت ومقومات أذت الى ذلك الواقع المرير. ان السلم والسلام الاهلى ثقافة ايجابية تحفزوتبعث عقول الناس على التفكير بموضوعية وواقعية وعمق فى خدمة مستقبلهم وتدفعهم الى التنافس الايجابى فى الانتاج والعطاء والابداع.
لا للعنف نعم للسلام
ان الحرب الاهلية ثقافة سلبية تقوم بنشر الكراهية والحقد بين الناس وتضخم نقاط الخلاف المحدودة وتعثم على مساحات الاتفاق الواسعة وتشتغل بالتعبئة والتحريض ,ان هذه التوجهات تجر المجتمع الى الفتن والويلات وكما قيل ان الحرب أولها كلام. قد يذهب البعض الى القول ان ثقافة السلم ماهى الا دعوة الى استرضاء من الطرف الضعيف للطرف القوى ويذهب البعض الاخر ايظا الى القول ان ثقافة السلم دعوة للذل والاستسلام وتحقيق اطماع شخصية وانهزامية ولاشك ان هناك الكثير من الممارسات التى توفر مناخا واسعا لمثل هذه الاقوال.وللرد على هذه الاقوال وليس المقام مقاما للرد او الرصد ولكن نقول بايجاز. ان الحرب الاهلية حالة استثنائية وان السلم والسلام الاهلى هو الحالة الطبيعية, ان السلم والامن مطلب نبيل تهدف اليه المجتمعات والامن نقيض الخوف والسلم نقيض الحرب وطلب الامن والسلم مقدم على طلب الرزق ولهذا دعا سيدنا خليل الله ابرهيم لمكة المكرمة (رب أجعل هذا بلدا أمنا وارزق اهله من الثمرات) سورة البقرة126 فدعا بتوفير الامن قبل توفير الرزق.
ولايتوفر الامن بالبطش والجبروت والاستبداد؟ او يتوفر باستعمال الاجهزة الدقيقة والاسلحة الفتاكة و حصار الشعوب او القنابل الذكية؟او بقوة الحصون والسجون والابواب والحراس؟ ان السلم والسلام الاهلى أمل الشعوب وحلم لها والسلام اسم من اسماء الله عز وجل بل هو تحية الاسلام فى كل مكان وقيمة اساسية فى الاسلام ولكن يجب ان يستند الى الحق ويبنى على العدل ويغلب لغة الحوار على لغة الصراع ولغة الشراكة على لغة الاقصاء ولغة التسامح على لغة الخصومة ونهج النهضة والاصلاح على نهج الخراب والدمار وان يعتمد بدرجة كبيرة على المساواة والتوازن بين الفرقاء والا أصبح هدنة هشة لاتدوم طويلا. لو استقرأنا الفتن والحروب الاهلية لوجدنا الحروب الاهلية والفتن تصل فى نهايتها الى مائدة المفاوضات من أجل سلام يتطلع اليه كل الفرقاء. ان الحرب الاهلية لم تنهى صراعا عبر التاريخ ,والحروب الاهلية لاتنبت الشجر او الزرع بل تنبت الشر والفقر والقتل والدمار والخراب وضحايا ويتامى وثكالى وأرمل وتفرق بين الاهل والاحباء. بعد الاستطراد الموجز فقد بات من المسلمات ان قرار الحرب الاهلية يقوم على تعبير سلبيى ومغامرة غير مدروسة بينما قرار السلم والسلام الاهلى يكون مبنى على نظرة وسلوكيات ايجابية وتصور استشرافى متوازن وقراءة بعيدة للمستقبل.
فكثيرون هم الذين يطمحون بالسلام، بلْ ويعملون لمقاومة ظاهرة الحرب والإحتراب والنـزاع المسلح في العلاقات البشرية والدولية، ويحلمون بتحقيق المجتمع الإنساني الذي يسوده السلم والسلام والإخاء والمحبة .مؤسسات ومنظمات رسمية، وغير رسمية، دولية، محلية، إقليمية تصبو لإحلال السلام، وفضّ النـزاعات بالطرق السلمية. لكن النتائج ميدانياً محدودة، وما أدل على ذلك مِن موجة الإرهاب التي كادت تفرض شبحها على كل شيء، وفي كل مكان. لماذا!؟ والحال أن العنف ليس بجديد، فهو قديم قدم الإنسان، والعالم، والكلُّ يعرف قصة قابيل الذي قتلَ أخاه هابيل والحوار الذي دار بينهما: ﴿لئن بَسَطتَ إليَّ يدكَ لِتقتُلني ما أنا بباسطٍ يَديَ إليكَ لأقتُلَكَ إنّي أخافُ اللهَ ربَّ العالمينَ﴾.
فظاهرة العنف قديمة جداً، ويجب أن تكون قد عولجت لأهوالها ومخاطرها وتداعياتها، ولذلك فلا يمكنني أن أتصور جورج سوريل هو أول مَنْ كتبَ في الغرب عن العنف في كتابه: تأملات حول العنف، ربما الأخير مِن الأوائل الذين عادوا إلى البحث في العنف. فبالضرورة معالجة العنف بكلِّ أنواعه، بصورة متوازية، وفي إطار متكامل، وحرمة اللجوء إلى العنف بأشكاله: النفسانية، الغيرية، السياسية، العسكرية و...، فمثلاً عن اللاعنف الإقتصادي يقول: (يلزم مراعاة قانون السلم في البرنامج الإقتصادي للدولة، فمنع التجارة الحرة، وفرض الجمارك مِن مصاديق العنف الإقتصادي، وهكذا مصادرة الأموال، أو أكل أموال الناس بالباطل، أو تشريع القوانين التي تحدّ مِن الحريات الإقتصادية كالضرائب، أو الحريات الفردية كالسفر...) وهكذا الأمر بالنسبة للأمور الإجتماعية كالأسرة والزواج والطلاق، أو الحريات الإجتماعية والسياسية المشروعة، فيرى تقييدها مِن العنف. وبالنسبة للمعارضة - وكمثال - فيما يرتبط بخروقات الدولة لإطار السلم في المجال الإقتصادي يقول: (يلزم فضح الظالمين الذين لا يلتزمون بقانون السلم والسلام الإقتصادي الإسلامي، وينسبون عملهم إلى الإسلام سواء كانوا على شكل دول أو جماعات، ولكن الفضح أيضاً يجب أن يكون سلمياً).