الصوم سباق في جامعة الأخلاق

تمت الإضافة بتاريخ : 28/07/2012م
الموافق : 10/09/1433 هـ

بقلم : خميس النقيب

جامعة الأخلاق تبدأ من أسماء الله الحسني وصفات الله العلي.. الرحمن .. الرحيم .. الحليم .. البر .. الرؤوف .. ثم الصادق الأمين .. إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .. قالها محمد رسول الله ، الذي قال فيه الله "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ "(القلم:4) ثم المنهج القويم .. حدثت عائشة عن زوجها .. كان قرآن يمشي علي الأرض.. صحيح ، والمنهج يحتوي علي مجموعة من العبادات ، والعبادات بالضرورة تثمر أخلاق حسنة وقيم عالية وآداب رفيعة فتضفي فرحة علي الزمان والمكان ، فيشرق المكان بالاسرار والانوار كما
يشرق البستان بالرياحين والازهار ..!! وإلا كانت لأصحابها – لا قدر الله –
صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء ، لا ثمر فيها ولا نفر ..!! الصوم إذن عبادة من العبادات ومحطة من المحطات ونفحة من النفحات ورحمة من الرحمات للمخلصين والمخلصات من الصائمين والصائمات ،الصيام بذلك ربيع العام يحقق الأحلام في بستان الأنام .

كيف لا وهو ميدان سباق : " وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ..." (آل عمران133)فقد كتب الصيام علي الأمم السابقة كما كتب الصيام علي امة الإسلام التي هي خير امة أخرجت للناس "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ "(آل
عمران110)لماذا ؟.تأمر بالمعروف ،وتنهي عن المنكر وتؤمن بالله " هذه
حيثيات الخيرية لهذه الأمة ، فإذا تخلت عنها ، تلاشت بين الأمم ، وخارت
فيها الهمم ، وسقطت من فوق القمم ،أما إذا استمسكت بهذه الحيثيات فهي امة
الأفضلية )وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ((الإسراء70) ، وأمة الفوقية " وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً " (النساء141)، وأمة الخيرية " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" (آل عمران110)

كيف لا وهو مجال منافسة : "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" (المطففين26) لينظر الخالق كيف صامت وقامت الأمة ،كيف صامت نهارها، وكيف قامت ليلها ؟ كيف
تعامت مع دينها ؟ ، وكيف اقتربت من ربها ؟ هل صاغت مجدها ؟ هل حافظت علي
بقاءها ؟ هل تعاونت علي البر والتقوى لا علي الإثم والعدوان .

كيف لا وهو يحقق خلق المواساة : الذي لا تقدره الأمة ..!! ومواساة
لأن الغني يعطف علي الفقير ، والكبير يحنو علي الصغير ،والمقيم يقدم
للمسافر الغريب وفي شهر الصيام تتجلي المواساة في أنقي صورها .. تكافل ..
صدقة فطر .. تزاور .. صلة الأرحام .. بر الأيتام .

كيف لا وهو تدريب علي خلق الصبر : صبر
علي الطاعة ، صبر علي المعصية ، صبر علي الشهوات والملذات ، صبر الاستعلاء
لا صبر الاستسلام ، صبر النهوض لا صبر القعود ، صبرالامل و العمل لا صبر
القنوط و الكسل

كيف لا وهو يحقق خلق
الإنضباط : الذي تفتقده الأمة ، فالكل يبدأ بالصيام في وقت واحد الغني
والفقير ، الخفير والوزير ، الكبير والصغير ، الرئيس والمرؤس ، الحاكم
والمحكوم ..!! الكل يمسك عند طلوع الفجر الصادق ويفطر عند غروب الشمس
واّذان المغرب وكانه نظام دقبق وصف مستقيم كصف القتال"إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ
"(الصف:4) يمتنع المسلم عن الحلال والحرام في رمضان لقلع عن الحرام طول
العام في غير رمضان ، ولما لا وفيه قتال الشهوات والملذات ، ونضال المعاصي
والسيئات ،وجهاد النفس والهوي ..!!

كيف لا وهو تدريب علي خلق المراقبة : صومك
سر بينك وبين الله ، فانت تراقب الله في صيامك وقيامك ، في حركاتك وسكناتك
، في حلك وترحالك ، في خروجك وولوجك..!! لا تحتاج الي مراقبة احد ، بين
يديك طعام شهي وتترفع عنه لله ، بجوارك زوجة حسناء وتسموا تنفيذا لامر الله
، من حولك شراب بارد انما تعلوا ابتغاء مرضاة الله .لذلك جاء في الحديث
الصحيح : كل عمل بن ؟آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به . .

كيف لا والصوم يثمر خلق التقوي: الذي هو جماع مكارم الخير " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ "(البقرة183)لماذا ؟ "لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"(البقرة183) ما من عبادة في الإسلام إلا ولها حكمة ، قد يبينها القران ، وقد لا يبينها ، وهذ من فضل الله عز وجل...

في الصلاة : "إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ"(
العنكبوت45) ( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له ) في
الحديث القدسي ( إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي وقطع النهار في
ذكري ولم يبت مصرا علي معصيتي ، ورحم الأرملة والمسكين وبن السبيل ....)
عبادة الصلاة لها ثمار ، وأخلاق وسلوك .. "قَدْ
أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ *
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ
لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ"(المؤمنون4:1):

وفي الزكاة: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا" ( التوبة103) .

الزكاة تنفع المزكي- بإذن الله- قبل أن يصل نفعها إلي الفقير أو المسكين ..
! يستفيد منها المتصدق قبل الفقير ..! كيف ؟ تطهره من البخل، و تطهره من
الشح ، و تطهره من الأنانية ومن الدونية ..هذه إمراض فتاكة ، مدمرة
لأصحابها في الدنيا والآخرة ، أن يأكل مليء بطنه ، وينام مليء جفنه ، ويضحك
مليء سنه ، وغيره من إخوانه المسلمين ،الفقراء والمساكين ، لا يجدون قوت
يومهم ، أو غطاء أجساهم ،أو أي شيء يضحكهم أو يسعدهم ( ليس منا من بات جائعا وجاره شبعان
..) ، وما افتقر فقير في الأمة إلا ببخل غني ، ولو التزم الجميع
بتعاليمالإسلام ما وجد فقير علي ظهر الأرض ، و لتغير حالنا إلي الأحسن
،والي الأفضل، وسنحيى في الأرض مستبشرين برحمات الله سبحانه وتعالي .

وفي الحج : )فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ...(( البقرة197) أخلاق ، سلوك ، معاملات .. من حج ولم يرفث أو يفسق رجع كيوم ولدته أمه .. صحيح البخاري ومسلم .

والصوم : هو كذلك كلية في جامعة الأخلاق "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
"( البقرة183) لعل هنا للترجي !! يعني يمكن ، ولايمكن ، والتقوى هنا هي
جماع مكارم الخير ،سال عمر بن الخطاب رضي الله عنه احد الصحابة : ما التقوى قال: أو ما سلكت طريقا به أشواك قال :نعم ،قال فما فعلت قال شمرت فاجتهدت ، قال كذلك التقوى أن تشمر عن المعاصي والذنوب ،وكما
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إنها الخوف من الجليل ، والعمل
بالتنزيل ،والرضا بالقليل ،والاستعداد ليوم الرحيل ، التقوى هي وصية الله
للأولين والآخرين "وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللهَ... "( النساء :131 ) التقوى حساسية في الضمير وإرهاف في الشعور مفادها أن يجدك الله حيث أمرك ولا يجدك حيث نهالك .

فإذا ما أثمر الصوم خلق التقوي .. فلا حاجة للعبد بعد ذلك إلا أن يتغمده الله برحمته .. كيف ؟ ! التقوى هي خير زاد "وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى"( البقرة197) وهي خير لباس "وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ"( الأعراف26) وهي خير ميراث "تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً "(مريم63)وهي الضمان لأولادك في الدنيا والآخرة كيف ؟ "وَلْيَخْشَ
الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ
عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً"( النساء : 9) ..ما أجمل أن تسلم لرب العالمين ، ما أحلي أن تدين لرب السماء والأراضين ،
والدين المعاملة ، ليس الدين مطلبا ، ليس الدين مطمعا ، ليس مظهرا لكنه
جوهرا ، ليس شكلا لكنه مضمونا ، يقول النبي صلي الله عليه وسلم ( إن الله لا ينظر إلي إشكالكم وإنما ينظر إلي قلوبكم والي أعمالكم ) . والقلب هو محل نظر الله عز وجل ( إلا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد )
فاتقوا ربكم وأصلحوا قلوبكم .اللهم تقبل منا الصيام والقرآن والقيام ،
اللم لا تجعل الدنيا أكبر همنا وا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا
خافك ولا يرحمنا ، إنك نعم المولي ونعم النصير ، وصلي اللهم علي سيدنا محمد علي وأهه وصحبه وسلم تسليما كثيرا .