تدريس مادة الرياضيات

تدريس مادة الرياضيات

امحمد بن سليمان عكي علواني
من الأنشطة التي يتلقّى فيها التلميذ صعوبة كبيرة في مساره الدراسي نشاط التربية الرياضية، وهذه الصعوبة تكمن في طبيعة هذا النشاط الذي يتوقّف أساسا على التفكير المنطقيّ الرياضيّ على الرغم من أنّ هذا النشاط إذا نظرنا إليه من وجهة نظرة أخرى نجده يناسب ميول الطفل ويشوّقه بما يوفّره من جوّ يستثمر فيه قدراته الذهنيّة مساهما في ذلك في بناء شخصيّته ونموّها ودعم استقلاليّته في التفكير استعدادًا لخوض غمار الحياة التي تتطلّب من الفرد أن يكون مفكّرا ويحسن استعمال طرق التفكير من الملاحظة والبحث والمقارنة والاستدلال والتجريد والتعميم الخ...، وتمكّنه هذه الآليات من القيام بدوره كمواطن بثقة وفعالية في محيط اجتماعي تتزايد يوما بعد يوم متطلّباته وفي عالم شمولي يتحوّل باستمرار.

ولذلك يتطلّب هذا النشاط المرونة في الطرح والتفكير مع تجنّب تصويرها للتلميذ كنشاط صعب، تفاديا من أن يأخذ منه نظرة تدفعه إلى اليأس في تذليل ما فيه من صعوبات بل يقدّم له النشاط كمادة تروّض الفكر كما تُروّضه لعبة الشطرنج أو الألغاز، ويتدرّب عليها كما يتدرّب اللاعب في الميدان لتنمية مهاراته الرياضية، فإذا استطعنا أن نغيّر نظرة التلميذ إلى هذا النشاط كمادة صعبة إلى نظرة على أنّها مادة تحفّز التفكير وتروّضه سيقبل عليها إقبال اللاعب في الميدان، ويتحدّى ما فيه من صعوبات بعزيمة وروح من التحدّي والمنافسة.
وممّا يساعد على ذلك إدراك الطفل والمدرّس معا إلى ما يهدف إليه درس الرياضيات من تحقيق كفائتين أساسيتين:

كفاءة عرضية:
هي كفاءة عامّة لا ترتبط بمستوى معيّن ولا بمادة دراسيّة معيّنة بل هي كفاءات تتطوّر ضمن مستويات متعدّدة وتشترك في تحقيقها كلّ المواد والأنشطة التعليمية التي يمارسها التلميذ في المدرسة فهي كفاءة دائمة قابلة للتعميم ويمكن نقلها من المحيط المدرسي إلى محيط الحياة العامّة وتوظَّف لحلّ المشاكل المختلفة التي يتعرضّ إليها الطفل كإنسان في حياته مثل البيع والشراء واستعمال مقاييس مختلفة وموازين الخ... أي تساعد على التعامل مع الغير في المحيط الاجتماعي والاقتصادي والفلاحي وغيرها الخ...

كفاءة رياضية:
وتتمثلّ فيما يتلقّى التلميذ من معلومات رياضية ويحسن استعمالها وتوظيفها عند الحاجة سواء منها في مجال الأعداد والحساب أو في مجال الفضاء والهندسة أو القياس ومن الملاحظ أن اكتساب هذه الكفاءة تتمّ بالتدريج حسب سنوات الدراسة للطفل فعلى المربي - إذن - أن يبني المعلومات الجديدة على مكتسبات الطفل السابقة بناء على القاعدة التربوية القائلة "كلّ تعلّم قائم على ما قبله" في مسارات معرفيّة متدرّجة حيث يتّجه فيها التعلّم من تعلّم إلى آخر أوسع ومن كفاءة إلى كفاءة أكبر جاعلا من المعارف موارد ومن القدرات روافد معرفية تتنامى في ضوئه كفاءات المتعلّمين، ومن هذا نرى أن التعليم في الوقت الحالي يكون مبنيّا على اكتساب الكفاءات وليس على تراكم المعارف مقابل أسلوب التراكميّ للمكتسبات فاسحا المجال أمام المتعلّم لتنمية قدراته العقليّة ( التحليل والتركيب وحلّ المشكلات الخ... ) وهذا يدعو المربي إلى اعتماد طريقة تضع التلميذ أمام مشكلة أي: إنشاء أمامه الوضعية المشكلة.

هذا الأسلوب يدفع المتعلّم إلى استعمال معارفه ومهاراته وتجاربه المكتسبة سابقا للتوصّل إلى حلّ مرتقب تتطلّبه وضعيّة جديدة أو مألوفة وذلك باتباع الخطوات الآتية:
أ)- طرح المشكل: وضع المتعلّم أمام مشكل وتحسيسه به وتحديده ودفعه إلى الحاجة للبحث عن الحلّ.
ب)- محاولة الإجابة عن المشكل: يقدّم المتعلمون أجوبة مؤقّتة وفرضيات ومقترحات...
جـ)- التحقق من صحّة المقترحات (الفرضيات): يبحث المتعلّمون في الفرضيات (المقترحات) عن الأجوبة الصحيحة، بعد مناقشتها مع تبريرها والقيام بإنجازات بتجارب أو استعمال وثائق وحسابات الخ... مثل التفريق بين المربع والمستطيل، وبين أنواع المثلثات الخ...
د)- النتائج المتوصّل إليها: يُقوِّم المتعلّمون النتائج ويحدّدون الحلول التي تمّ الاتفاق عليها.
مثل: تصوّر أنّك تاجر
اشتريت بضاعة بقيمة 5000 DA فدفعت 500 DA ثمنًا لنقلها ثمّ بعتها بـ 7200 DA . عمّ تبحث؟
- التكلفة
- الربح
1)- وضع المشكل أمام التلاميذ

2)- فسح المجال أمامهم لطرح تساؤلاتهم

3)- البحث عن الإجابة

4)- تدريب التلاميذ على تجزئة المسألة وذلك بوضع مسائل مجزأة (أي ذات الحل الواحد) ثمّ مركّبة.
مثال ذلك:

مسألة مجزّأة:
أ)- أرض مستطيلة الشكل طولها 180 m وعرضها 20 m. عمّ نبحث؟
عن المحيط أو المساحة.
ب)- أراد صاحبها أن يحيطها بسياج فترك بابا عرضه 5 m. عمّ نبحث؟
عن طول السياج.
جـ)- إذا كان ثمن المتر الواحد من السياج يقدّر بـ 15 DA . عمّ نبحث؟
عن ثمن السياج.

مسألة مركّـبة:
أرض مستطيلة الشكل طولها 180 m وعرضها 20 m، أراد صاحبها أن يحيطها بسياج فترك بابا عرضه 5 m، وإذا كان ثمن المتر الواحد من السياج يقدّر بـ 15 DA . ما

ثمن السياج؟

5)- مطالبة التلاميذ باقتراح مسائل وعمليات وإثارة التنافس بينهم في ذلك.

6)- اختيار مشكلات من حياة الطفل وصياغتها في شكل وضعيات أو إشكالية.
مثال: طلب منك أبوك أن تحسب له:
يريد أن يشتري 5 kg من البطاط بثمن30 DA للكيلوغرام الواحد و3 kg من الجزر بثمن25 DA للكيلوغرام الواحد، و2 kg من البرتقال بثمن60 DA للكيلوغرام الواحد، وكان في جيبه 1000 DA فهل يكفيه هذا المبلغ؟ إذا كان "نعم" كم يبقى له؟ وإذا كان "لا" كم يبقى له؟

استعمال الوسائل التعليميّة:
يحتاج تحقيق الأهداف أو الكفاءات المحدّدة في منهاج الرياضيات في المرحلة الابتدائيّة على وجه الخصوص إلى مجموعة من السندات والوسائل البيداغوجية تستعمل كوسائط لتحقيق الكفاءات التي تتطلبها الوضعيات التعليمية المختلفة، منها:
أ)- كتاب التلميذ، ب)- الآلة الحاسبة ، جـ)- وسائل الهندسة، د)- مجسمات هندسيّة كالمكعّب، المربّع، الخ...، هـ)- أشرطة من مختلف الأطوال 10 سم ، 100 سم ، المتر، الخ...
- يجب تدريب التلميذ على حسن استعمالها وعلى ضرورة استعمالها سواءً في الكراريس أو على السبورة.
- بري القلم - تحضير الوسائل قبل الحصّة – وتكون صالحة للاستعمال - إشراك التلاميذ في اقتنائها –.

أهميّة الحساب الذهني:
نظرا لأهميّة هذا الحساب في حياة الفرد لابدّ من الرجوع إلى الاهتمام به وتطبيقه بطريقتين: شفويّة، وكتابية (ط.لامارتينز)
لذلك يحسن في بداية الأمر استعمال الوسائل التي تساعد على تصوّر العمليّة في ذهن التلميذ مثل تكوين العشرات بالخشيبات ليتصوّر ذهنيّا العشرة أو العشرتين أو ثلاث الخ... مع إضافة العدد مثلا 13 تتكوّن من عشرة + 3 وحدات الخ...

تقويم أعمال التلاميذ:
بتحديد نقاط الضعف والقوّة والبحث عن وسائل معالجة الضعف، فمثلا قد نجد ضعف بعض التلاميذ في عدم حفظ جداول الضرب أو كيفيّة التعامل مع الصفر في عمليّة الطرح أو في طريقة تشخيص المسألة وفهمها أو طريقة التحويل الخ...، وفي هذه الحالة نكلّفهم بإنجاز تمارين منزليّة أو يخضعون لدعم خاص لمعالجة ضعفهم.

لا يمكن أن نحسّن مستوى تلاميذنا في الرياضيات إذا لم نكثر من التمارين مع استعمال طريقة المنافسة والتشجيع، فينبغي أن تأخذ مرحلة التمارين حصّة الأسد من حصّة الرياضيات بل تحدّد مجموعة من التمارين للمستوى العام للقسم ويكلّف المتفوّقون إنجاز تمارين أخرى تكون أكثر صعوبة على أن يكتفي المعلّم بتصحيحها لئلاّ يكبح طموحهم، ويجمّد مواهبهم، ويترك في ذلك المجال مفتوحا لجميع التلاميذ.

هذه المرحلة ما زال تفكيره مبنيّا على الأشياء المحسوسة، ومن الصعوبة بمكان فهم المجرّد دون استعمال الوسائل بناءً على القاعدة القائلة " الانتقال من المحسوس إلى المجرّد ".

وفي الأخير لا يمكن التطرّق إلى مراحل الدرس التي تخضع لنوعيّة الدرس والموضوع وبل حتّى لمستوى التلاميذ أحيانا وباعتبار أن هذه المراحل في الغالب يجدها المعلّم في (دليل المعلّم)

ومن السذاجة التقيّد بها دون معرفة الهدف من كلّ مرحلة غير أن ما نؤكّده هو:
1)- تحديد مؤشرات الكفاءة
2)- الانطلاق من المعلوم إلى المجهول ومن المحسوس إلى المجرّد ومن السهل إلى الصعب، الخ....
3)- التركيز على تطبيق المفاهيم الرياضية وربط ذلك بالواقع كلمّا أمكن
4)- تجنّب قدر الإمكان الإعداد المجرّدة بل يحسن ربطها بوحدات.
5)- فسح المجال أمام التلميذ: - للملاحظة والاكتشاف - للممارسة والتطبيق.
أي جعل المتعلّم يكتسب معلوماته عن طريق الممارسة واستعمال قواه العقلية مع تجنّب التلقين قدر الإمكان.
وممّا يلاحظ في معظم دروس الرياضيات في الكتاب هذه المراحل:
1)- البحث والاكتشاف 2)- التفكير والانجاز 3)- التمرّن
على طريقة "جون ديوي" في طريقة التدريس.
للوصول في الأخير إلى تحقيق هذا المبدأ أنا = ما أعرف فعله لا ما أحفظه حفظا ببغائيّا.